باحثة في قضايا المرأة والأسرة.
الجمعيّات كمان وكمان
تعملُ الجمعيّات، والمنظّمات غير الحكوميّة؛ بشكلٍ دؤوبٍ ومستمر على تنفيذ برامجها الّتي تتنوّع بين برامج إنمائيةّ أو توعويّة أو خدماتيّة، وتحرصُ هذه المنظّمات منذ فترة على توسيعِ دائرة اهتماماتها لتصلَ إلى القرى والمناطق النائية؛
مستغلّةً بذلك الوضع الاقتصادي الصّعب الذي يسهّل لها القبول في تلك المجتمعات، فتعمد إلى توظيف عددٍ كبيرٍ من سكّان تلك القرى، التي تفتقد إلى مقوّمات اقتصادية كثيرة تتمتّع بها المدن عادة، وكان لدفع تلك الجمعيّات الرواتب بالعملة الصعبة، دوره في نجاح مهمّتها في جذب فئة كبيرة من النّاس، وبخاصّة الشباب الذين وجدوا في تلك المنظّمات بديلاً عن الهجرة، غير الشرعية منها تحديدًا.
وفي الحقيقة أنّ لهذه المنظّمات، دور كبير في سدّ ثغرة معيشيّة صعبة يعيشها سكان القرى، من ناحية تأمين الإعاشات بشكل دائم ومنتظم، وكذلك المازوت في فصل الشتاء القارس.
ومع هذه الإيجابيّات التي تقوم بها تلك المنظّمات، والتي استغلّت غياب الدولة وتخلّيها عن واجبها، تجاه مواطنيها من أجل سدّ تلك الثغرة من جهة، وجذب الناس إليها من جهة أخرى، إلا أنّه لا يوجد شيء مجاني في هذه الدنيا، والمنظّمات ومن يقف وراءها من جهات دوليّة ومحليّة تهدف إلى تحقيق غايات كثيرة، منها ما هو معلن ومنها ما هو غير معلن.
ومن أخطر هذه الجمعيّات تلك التي تدّعي الدفاع عن حقوق المرأة والطفل، وتتبنى برامج منظمة الأمم المتحدة فيما يتعلق بهذا المجال، والتي من بين بنودها موضوع العنف ضد المرأة والطفل، والذي أخذ حيّزاً كبيراً من اهتمام تلك المنظّمات منذ زمن طويل وزاد بعد إقرار قانون حماية النساء، وسائر أفراد الأسرة الصادر عام 2014، والذي تمّ تعديل بعض بنوده في العام 2021، وكان من أبرز البنود المعدّلة تجريم العنف المعنوي، والاقتصادي وتخصيص عقوبة لمرتكبهما.
هذه المبادئ التي تتبناها الجمعيّات الحقوقيّة، تحاول نقلها إلى تلك القرى التي نقلت عملها إليها، وبذلك نراها تهتم كثيراً بفئات النساء والأطفال والشباب، وتسعى إلى تقديم الخدمات المعنوية والمادية لهم، فعلى سبيل المثال يمكن أن يقام جلسات استرخاء للنساء من أجل مساعدتهنّ على تجاوز مِحنِهنّ.
كما توزّع بعض الأموال التي تساعد النساء على الاستقلال في عملهنّ الخاص، من أجل إعانتهنّ على تخطّي صعوبات الحياة، تحت ما يسمّى بالتمكين الاقتصادي للمرأة. بينما قد يكون في بعض الأحيان محاولة لدفع المرأة إلى الاستقلال عن زوجها أو القيّم عليها حتى تصبح مستقلة، وبالتالي يمكن أن تستقوي على زوجها أو تتخلى عنه في حال رغبتها بذلك.
إنّ الاهتمام بالمرأة الريفيّة، هو بند من بنود مؤتمر بكين الذي انعقد في العام 1995، وطالبت وثيقته بالاهتمام بهذه الفئة المهمّشة لكونها تتعرض أكثر من غيرها للعنف بكل أنواعه، ولكون النساء في القرى أكثر إنجاباً من المرأة في المدن بسبب عدم قدرتهنّ على مواجهة الرجال، ولكَوْن ثقافة كثرة الإنجاب لا زالت قائمة لدى هذه المجتمعات، التي تعتبر الأطفال فخر وعزوة للأهل من جهة، ولكون كثرة الإنجاب هدف استراتيجي لكون الأطفال هم الفئة التي تعمل في الأراضي الزراعية في المستقبل.
إن أسباب الاهتمام بالمرأة الريفية عديدة جدّاً، وإن كان الأمر لم يعد كما كان في الماضي بسبب الانفتاح الإعلامي، وبسبب العولمة التي دخلت كل بيت، إلا أنه يبقى للمرأة في الريف ما يميّزها عن المرأة في المدن، وقد تكون أكثر تقبلاً من غيرها لما يراد نشره وتغييره في المجتمعات الريفية.
والمرأة ليست الجهة الوحيدة المستهدفة فهناك فئة الأطفال والشباب، والذين حدّدت أعمارهم بالثامنة عشرة من العمر، لذلك تقوم هذه الجمعيّات بإقامة المحاضرات لهؤلاء الشباب لتوعيتهم حول مفهوم العنف بأنواعه المعنوي، والاقتصادي، والجسدي والجنسي، ولتوجّه هؤلاء للتصدي لأي عنف يمكن أن يعترضهم، وخاصة العنف المعنوي، كما أنها توزع لهم الرقم الخاص للجمعية من أجل حمايتهم من التعرض للعنف، والذي قد يتضمن سلبهم من أسرهم وإدخالهم لمراكز خاصة من أجل حمايتهم من العنف...
وهذا الأمر الخطير عبّر عنه الدكتور "إياد القنيبي" عند حديثه عن مشروع قانون الطفل المراد تشريعه في الأردن: فقال: بأن واضعي "هذا المشروع يريدون أن تتدخل جهات ومؤسسات لا تؤمن بديننا ولا أخلاقنا، وأخرى مدعومة ماليّاً ممن لا يؤمن بديننا، ولا أخلاقنا لتعبث بأبنائنا وتمنعنا من التدخل!".
إنّ فتح الباب أمام هذا الأمر خطير جدّاً، وخاصة عند الحديث مع فئة الشباب والمراهقين الذي قد يعانون من مشكلات داخل أسرهم، أو قد يرغبون في تغيير واقعهم فيلجؤون إلى هذه الجهات للتدخل، ممّا ينذر بخراب أسر كثيرة. وهذا النظام الذي تتبناه معظم الدول الغربية، ومن بينها السويد التي قامت – تحت حجّة العنف - بخطف كثير من أطفال المسلمين المهاجرين وسلّمتهم لما يعرف بالـ "سوسيال " ومن ثم سلموا إلى أسر سويدية نصرانية أو يهودية لتربيهم تحت حجة تعرضهم للعنف في بيئتهم الإسلامية.
إنّ ما يحدث في تلك القرى، يستوجب الوعي ليس فقط من الأهل يحيث لا يرسلون أولادهم إلا إلى جهة موثوقة دينيّاً وأخلاقيّاً، بل أيضاً للجمعيات الإسلامية شبه المغيّبة عن القرى وخاصة البعيدة منها، وإذا وجدت فنادراً ما يكون لها التأثير القوي المرجو منها.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة