ماجستير في الدراسات الإسلامية
مسؤولة اللجنة الدعوية - جمعية الاتحاد الإسلامي
عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: «لما رَجَعَت إلى رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - مُهَاجرة البحر، قال: ألا تُحَدِّثوني بأعاجيب ما رأيتم بأرض الحبشة؟ قال فتية منهم: بلى يا رسول الله، بينا نحن جلوس مرَّت بنا عجوز من عجائز رهابينهم، تحمل على رأسها قُلَّة من ماء، فمرَّت بفتى منهم، فجعل إحدى يديه بين كتفيها، ثمَّ دفعها، فخرَّت على ركبتيها، فانكسرت قلَّتها، فلمَّا ارتفعت، التفتت إليه، فقالت: سوف تعلم - يا غُدر- إذا وضع الله الكرسيَّ، وجمع الأولين والآخرين، وتكلَّمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون، فسوف تعلم كيف أمري وأمرك عنده غدًا، قال: يقول رسول الله صلّى الله عليه وسلم: صَدَقَت صَدَقَت، كيف يقدِّس الله أمَّة لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم؟!» [رواه ابن ماجة].
«جاء أعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَقَاضَاهُ دَيْنًا كَانَ عَلَيْهِ، فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ حَتَّى قَالَ لَهُ: أُحَرِّجُ عَلَيْكَ إِلَّا قَضَيْتَنِي، فَانْتَهَرَهُ أَصْحَابُهُ، وَقَالُوا: وَيْحَكَ، تَدْرِي مَنْ تُكَلِّمُ؟ قَالَ: إِنِّي أَطْلُبُ حَقِّي، فَقَالَ النَّبِيُّ صلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَلَّا مَعَ صَاحِبِ الْحَقِّ كُنْتُمْ؟"، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى خَوْلَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، فَقَالَ لَهَا: "إِنْ كَانَ عِنْدَكِ تَمْرٌ فَأَقْرِضِينَا حَتَّى يَأْتِيَنَا تَمْرُنَا فَنَقْضِيَكِ"، فَقَالَتْ: نَعَمْ، بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَأَقْرَضَتْهُ، فَقَضَى الْأَعْرَابِيَّ وَأَطْعَمَهُ، فَقَالَ: أَوْفَيْتَ أَوْفَى اللَّهُ لَكَ، فَقَالَ: "أُولَئِكَ خِيَارُ النَّاسِ، إِنَّهُ لَا قُدِّسَتْ أُمَّةٌ لَا يَأْخُذُ الضَّعِيفُ فِيهَا حَقَّهُ غَيْرَ مُتَعْتَعٍ» [أخرجه ابن ماجه]
ومعنى غَيْرَ مُتَعْتَعٍ، أي: دونَ مُماطلةٍ أو أنْ يُصيبَه أذًى بسبب ملاحقته لاستيفاء حقوقه.
تدبّرتُ المعاني القيّمة الرائعة المفهومة من هذين الحديثَين النبويَين، فوجدتُ ضالّتي وجوابي الذي كنت أبحث عنه منذ أن عرفتُ بجريمة قتل فضيلة الشيخ المصلح أحمد شعيب الرفاعي- رحمه الله - وانتقم من قاتليه.
وتساءلتُ حينها؛ كيف يُنجي الله تعالى قوماً سكتوا عن الظلم الواقع في بلدتهم، ورضوا به وتعايشوا معه، ولم ينكروا على المجرم المستبد اللص الذي يحكمهم بعمامته المنحرفة (وهنا اللوم والاتهام ينال من المشايخ حوله والذين يعملون له ومعه).
ويحكمهم بنفوذه السلطوي كونه رئيس بلدية (وهنا اللوم والعتاب ينال من المواطنين في بلدة القرقف الذين رشاهم أو رشوة ليمرروا معاملاتهم). ولم يقم ليدفع هذا الطغيان إلا قلة قليلة، "لم ترض ولم تسكت وأنكرت ورفضت وجابهت لوحدها ولم ترضخ لكل محاولات إسكاتها ترغيباً وترهيباً، ومحاولات اغتيالها وتدمير مصالحها وتهديدها في أمن عائلتها وقوتها"!! بل، جمَعَت الأخبار وأوصَلَت المعلومات للأجهزة المعنية، عساها توقف الظلم وانتفاش الظالم بشعور فائض القوة والتغطية الآمنة... فلم يستطع المظلوم المغدور نيل مبتغاه بل نال الشهادة لوقوفه بوجه الظالم قائلا له أنت ظالم ؛ فقام بفرض العين الذي كفى مواطني بلدته ورفع مقت وسخط الله عليهم واستشهد هو...
هل نحن أمام معادلة جديدة؟
هل وصل حبُ الدنيا عندنا نحن المسلمين وتمكُّنُ الوهن من قلوبنا إلى درجة "لن نتخلص من الظالم المستبد فينا إلا باستشهاد البطل فينا فنرعوي ونستيقظ وننتفض"؟
هل نخَرَ الجبن قلوبنا وتعلّقْنَا بالدنيا حتى وصَلنا لمستوى خطير يستوجب سفك دم المخلِص الصادق فينا حتى نعي وننتبه ونستدرك؟
هل استمرَأْنا الظلم وبات المنكر عندنا أمراً عادياً يشرب معنا ويأكل وينام معنا؟
بالعودة للحديثين الشريفين؛ هناك سُنّة ربانية تحكم الحياة الدنيا، إنه العدل في الرعية، إنه الحكم السوي، إنه صمام أمان بقاء البشرية، إنه مؤشر بقاء المجتمع على خير، إنه تأمين حضاري بخلفية القوة الشرعية للحكم الإلهي {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [الحديد:٢٥].
لا يقدّس الله تعالى ولا يعصم ولا يحفظ ولا يرسل أمانه ولا يرضى بأمّة، تركت مستبديها وطغاتها يرتعون ويلعبون بمصيرها وبمصالحها كيفما يشاؤون وسكتت...
الويل ثم الويل لمن رضي وتابع ولم ينكر ولم يمانع...
تدبّرتُ من الحديثين الشريفين؛ أن مسؤولية دفع الطغيان والظلم عن أن يقع بالمستضعفين هي مسؤولية جماعية، يقوم بها كل من حمل منصباً وموقعاً سيسأله الله تعالى عنه يوم يُنصبُ الميزان ؛ ولكل غادر..لواء غدر يحمله كرهًا ينبئ بأنه كان مسؤولاً وخان..عرف وطنّش...شارك وأخفى...
ألا لا إيمان لمن لا أمانة له...
وآية المنافق ثلاث... إذا اؤتمن خان....
رحم الله تعالى سيدنا حمزة بن عبد المطلب سيد الشهداء وكل شهيد بطل وقف بوجه الظالم فقال أنت ظالم فقتله...
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
ماجستير في الدراسات الإسلامية
مسؤولة اللجنة الدعوية - جمعية الاتحاد الإسلامي
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة