رمضان قوّة التغيير
لو قُدِّرَ للمُتعَبِ الذي ناءَ بكاهلِه همومٌ أدمَتْ قلبَه، وذرفتْ لها عيناه، أنْ يرتميَ قليلاً في حِضْنٍ آمنٍ ليستريحَ فيه قبلَ أن يستأنفَ سيرَه ما وجد مثلَ رمضان.
بينما تَستبِدُّ بالمجتمع الإنساني مخاوفُ تقضُّ مضجَعه، عقب الهزّات الأرضية التي عاشها، والمشاهدَ المرعبةِ التي استحضرَ معها الموتَ وسكراتِه الطويلة تحت الأنقاض، فضلاً عن همومِ المعيشة بسبب تفاقم الأسعار وآثارها _ فإن المجتمعَ الإنساني يقترب من بلوغ وقتٍ عظيمٍ، هو مظنَّةُ تغيير نفسٍ مُنهكةٍ مُرسَفة في أغلال الذنوب إلى أخرى تسعى وتُنظّمُ وتُحققُ أهدافها.
وإنّ هذا التغييرَ منوطٌ بإرادة الإنسان وهمّتِه؛ إذ إن الزمان والمكان مهما كانا ذا قدسية وبركة فإنهما لا يغيّران الإنسان، بل يفسحان له بالمجال ليتغيّر؛ مصداقاً لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}.
وإنّ هذا التغييرَ الذي تنشُده النفسُ الإنسانية يتحقق ما لم يَغِبْ عن بالِها هاتان الحقيقتان:
الأولى: إنّ من أجلِّ أسبابِ شرود النفس وإسرافها في حياتها التفاوت الكبير الذي تشعر به النفس بينها وبين الناس، وإنَّ في تساوي جميع الصائمين في وحدةِ الشعور بالجوع _ إذ لا فرقَ في ذلك بين الصائمِ الغني والصائمِ الفقير_ تتجلى الرحمةُ الإنسانية والأخوّة الإسلامية، وتنزِع النفسُ رِبْقَةَ الأنا والأثَرة، وتسارع في الخيرات، فتواسي بذلك المحتاجين، وتُكفكِفُ أدمُعَهم، وتحمل عنهم بعضًا من ثِقَلِ أحمالهم، وما أكثر المحتاجين اليوم، وعلى سبيل التمثيل لا الحصر، حاجات الذين نكبَهم الزلزال فهاموا على وجوههم لا يَلْوُون على شيء.
وإذا عُرِفَ هذا عُرف أن من أسباب تغييرِ النفس سَعتها لتحتويَ غيرَها وتتعاونَ معه بإحساس الألم الواحد، وليس تقوقعها وانعزالها، كما عبّر عن هذا المعنى شوقي بقوله:
إن التعاوُنَ قوّةٌ عُلْوِيَّةٌ * تبني الرجالَ، وتُبدع الأشياءَ
الثانية: لا بدَّ لتحقّق التغيير – غير اتخاذِ الأسباب – منَ الاستعانةِ بالله والتوكل عليه، عزّ شأنُه وجلّ ثناؤه، ومن مظاهرِ هذه الاستعانة التضرّع بين يدي الخالقِ وطلب التوبة والاعتراف بالضعف، واغتنام الساعات الرمضانية اغتنامَ مَن يعتقد أنَّ صفاءَ النفس الجديدة وإبداعها يرتبطُ باغتنامِ الوقتِ الرمضاني، وعليه يمكن أن يخرجَ الإنسانُ من رمضانَ وفيه قوةٌ مُودَعةٌ من قواه المعنوية، ما كان ليكتسبَها إلا بتهذيب الإرادة من خلال التفرّغ للعبادة وإفراغ الوُسع في الطاعات والقُرُبات.
وإنَّ هذه القوة التي يُكرَم بها الموفَّق في رمضان هي ما يمدّه بالصبر عند الشدائد والمِحن أحدَ عشرَ شهراً.
وهي التي تغسلُ قلبَه من أدرانِ الأوبئة النفسيّة من حسدٍ وغِلّ وجَشع؛ ليغدوَ قلبَ طفل.
وهي التي تحملُ صاحبَها على عدم الاستسلام في طريق الخير مهما كثُرتْ فيه العوائق. ومهما بَثَّتْ الشياطين في نفسه وساوسَ اليأس، فالغلبةُ لمُحسن الظنِّ بالله المتوكِّلِ عليه.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
رسالة الشعر
مسرى الأرض ومعراج السماء.. بيان وأضواء!
عامٌ مَرّ..
كشف الثقوب.. في أدعياء علم الغيوب! الجزء الثاني
كشف الثقوب.. في أدعياء علم الغيوب!