هؤلاء غيرهم القرآن
الناس نوعان: نوعٌ يُغيره القرآن وآخر لا يتجاوز لِسانه، فإن لم يغيرك فتلك مشكلة، وإن لم تجد في تِلاوته حلاوةً فاعلم أن أبوابك مُغلقة، لذلك قيل: "إنّ ألفاظ القرآن تؤخذ من حفاظه، أما معانيه فتؤخذ ممن يعانيه، وعلى قدر ما تُعاني تشعر بالمعاني".
رمضان والقرآن، توأمان يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، فَيُشَفَّعَانِ، وإن كان للقرآن تأثير عجيب، ففي رمضان تأثيره أعجب، فقد كان حبيبنا صلى الله عليه وسلم يتدارسه كلَّ ليلة من رمضان مع سيدنا جبريل عليه السلام، فيكون من بعدها أبهج نفساً وأكثر عطاء، وذلك من بركةِ القرآن.
رمضانُ أيضاً هو شهر الهداية في قوله عز وجل: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ}، ففي هذا الشهر يمنُّ الله علينا بسَماعه وتلاوته، وفي الاستماع إليه وقعٌ أبلغُ في النفس وأثر أعمق في الروح، فكثيراً من معانيه ما كانت لتصلَ إلينا إلا في هذا الموضع، ولحبيبنا المصطفى صلّى الله عليه وسلم المَثل الأعلى في ذلك.
فقد كان يحبّ أن يسمعَه من غيره، وإذا سمع أبا موسى الأشعري يقرأ لا يتحرك حتى ينتهي من التلاوة، فيقول له الأشعري: "لو كنت أعلم أنك سمعتني يا رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- لحبّرته لك تحبيرًا"، فيرد عليه حبيبنا صلّى الله عليه وسلم: "لقد أُوتيتَ مزماراً مِن مزاميرٍ آلِ داوود".
وكذلك الملائكة الكرام تحب الاستماع إلى القرآن الكريم.
ففي صحيح مسلم أن أُسيد بن حضير كان يصلي ذات يوم ليلاً ويصدحُ فيه بصوته الجميل، فإذا قرأ القرآن تجوّل فرسٌه، التي كانت بجوار ابنه وإذا سكت تسكنُ معه، فخاف عليه وسكت عن القراءة فسكنت معه الفرس، ولما أصبح ذهب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وأخبره عما حدث، فسأله حبيبنا : "ماذا رأيت؟" قال رأيتُ سحابةً في السماء مليئة بالمصابيح، وكانت هذه السحابة فوق رأسي تدنو مني أثناء قراءتي للقرآن، فأخبره سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلم، أنهم الملائكة، ولو أتمّ قراءته أصبح يراها الناس.
نماذج من المتأثرين بالقرآن الكريم من غير المسلمين:
النموذج الأول: عندما سافر السيد قطب إلى أميركا طلب منه قبطان السفينة أن يجمع العمالَ ليخطب ويصلي بهم لأن الرحلة طويلة، وبعدما انتهى من ذلك أقبلت عليه امرأة يوغسلافية لا تعرف العربية ولا الإنجليزية وسألته عن الكلام الذي كان يقوله، فأخبرها أنها خطبة الجمعة، فقالت له لا أقصد الخطبة بل ما كنت تقرأ في ثناياها، فعلم أنها تقصد القرآن وتعجب لأمرها أشد العجب لأنها كانت شديدة التأثر، وقد مس القرآن روحها دون أن تفهم معناه، وهذا ما يؤكد أن هذا الكلام العظيم ليس كلاماً بشرياً عادياً بل هو كلام الله - عزّ وجلّ -.
النموذج الثاني: ذهب أسعد بمصعب بن عمير إلى حديقة للأوس، وبدأ يقرأ عليهم القرآن، وعندما علم سعد بن معاذ وأسيد بن حضير بأمرهما ، غضبا غضباً شديدًا، وذهبا إليهما تباعاً فلم يأخذوا من القرآن في يد مصعب بن عمير "غلوة" إلا وسقطوا هُياماً في حبّ هذا الكلام ودخلوا في الإسلام.
النموذج الثالث: "عندما سمعت هذه الآيات كاد قلبي أن يطير" هكذا كان قول الصحابي الجليل جبير بن مطعم حين سمع النبي محمد صلّى الله عليه وسلم، يقرأ عليه من سورة الطور، فعلى الرغم من أنه كان مشركاً وجاء إلى النبي ليفاوضه في أسرى بدر فأضحى أسيراً في حب الإسلام.
النموذج الرابع: هم عشرون رجلا من الحبشة قدموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرئ عليهم القرآن على الرغم من أن لغتهم تختلف عن لغة قريش إلا أن القرآن لا يقف أمامه شيء، فأصبحت أعينهم تفيض من الدمع، ذلك أن النصارى هم أَقْرَبَهُم إلينا من اليهود وغيرهم...
والقصص في ذلك الموضوع كثيرة، وكلها لها دلالة على أن القرآن يخترق القلب من الجوهر، ويتسلل إلى قلوب الكفار بكل سهولة، فالمتأثرون بالقرآن اليوم كّثر من علماء ومفكرين ومغنيين، جمعيهم قالوا إن سبب إسلامهم هو القرآن عندما سمعوه أو قرأوه مترجمًا، كمارجريت ماركوس مثلاً، التي سميت نفسها لاحقاً بعد إسلامها بمريم جميلة، فعندما سمعت القرآن بصوت عبد الباسط عبد الصمد في مكتبة الكونغرس أخذ بلبّها فاعتنقت الإسلام على يدي الداعية داود فيصل.
بعد كل تلك الأدلة الدامغة على أثر القرآن السحري في قلوب الخلق أجمع، بإمكاننا أن نصرحَ بأن كل المحاولات المستميتة لمنع مكبرات الصوت من رفع القرآن أو الآذان، هي أمر مقصود من قبل الكفار الجاحدين والملحدين أعداء الدين، فهم يعلمون أن بتلك الطريقة ينتشر الإسلام، وقد كان كفار قريش من قبلهم يريدون منع هذا الصوت، ولما عجزوا عن منعه كانوا يصفرون ويصمون آذانهم لكيلا يسمعوه عنادًا وجحودًا؛ لأنهم يعلمون أنه الحق، وسيبقى الحق منتصراً بإذن الله.
وصايا ختاميّة:
1.نحن مطالبون من الله عز وجل بأن نجهر بالقرآن وبأن ندعو به مذكرين ومعلمين ومؤدبين للمسلمين ولغيرهم على حدٍّ سواء، والآيات الدالة على ذلك كثيرة، كقوله تعالى: {كتابٌ أُنزلَ إليك فلا يكن في صدرك حرجٌ لتنذر به وذكرى للمؤمنين}، وتكمن في صلاة التراويح حكمة من الله عز وجل بجعل الكون أجمع بجميع أرجائه يطرب لصوت القرآن لعله يهدي الناس ويشفي الذين في قلوبهم مرض.
2.على الإمام ألا يطيل بالخطبة وأن لا يبخل من أن يكثر في ثناياها بتلاوة آيات من القرآن الكريم بتلاوة خاشعة مؤثرة، وعلى المصلين أن يسلموا بقلوبهم للقرآن وأن يحسبوا أنهم يسمعونه للمرة الأولى، فالقرآن بكراً وسيظل بكراً إلى يوم القيامة.
3.علينا أن نعيد ترتيب أولوياتنا ونعطي القرآن الحظ الأوفر من التدبر وحسن الفهم.
4.الكثير من المسلمين قد شابت نواصيهم في الإسلام واقتربوا من الموت وهم لا يعرفون تفسير أي سورة ولا سبب نزولها، لهذا يجب على كل فرد منا يجد بأن لديه القدرة على التفسير أن يبادر على مدارسته، ذلك لتكون له سنة حسنة وليحظى يوم القيامة بالأجر العظيم.
5.السعي لتوصيل القرآن لغير المسلمين مترجماً كان أو باللغة العربية ومحاولة رفع الآذان في جميع البلدان بأي طريقة.
6.علينا أن ندعو أولادنا للغوص في أعماق عالم القرآن من خلال قراءته بتلاوة متدبرة فالجيل الجديد محروم من المعاني، وإن لم نستطع، علينا أن نحرص على وضعهم في جمعيات أو مراكز تتكفل هي بدورها هذا الأمر.
ختاماً يقول الغزالي: القرآن ظاهره القريب للجماهير الساذجة وباطنه العميق يشبع فهم الفلاسفة، فلا تكون من الساذجين، وتدبّر آياتِه.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن