أ. صفا فايز لولو، ليسانس علوم سياسية وإدارية، ليسانس في الشريعة والقانون، ماجستير في الفقه المقارن.
تغريب المرأة المسلمة
التغريب أي جعلها غربية، ابتدأت بالعلمانية كظاهرة معاصرة قديمة حديثة، وهي من التحديات التي تواجهها المجتمعات العربية والإسلامية، وقد سعت العلمانية بكل قوتها للسيطرة على فكر ومعتقدات الشعوب لطمس هويتها الثقافية، والدينية، وخاصة الشعوب الإسلامية؛ حتى تبعدها عن الشرائع السماوية. وتجعل لهم هوية علمانية مدنية خاصة بها.
والتركيز كان وما زال على المرأة، لما لها من دور أساسي ومهم في بناء الأجيال والتأثير على أفكارهم، ومعتقداتهم، فتأسيس الجمعيات النسوية الخبيثة بما تحمل في طياتها ثقافة محاربة للدين ومغايرة لشخصية المرأة المسلمة، تسعى لإعطاء المرأة حقوقها عن طريق الاتفاقيات والقوانين الدولية، كاتفاقية إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة (السيداو) التي صدرت في العام 1979م، في حين الإسلام قد اعتنى بها أيما اعتناء، وأعطاها حقوقها كاملة وجعلها جوهرة مصونة يعاقب كل من حاول ظلمها وإيذاءها، وحل مشكلاتها في القرآن والسنة النبوية التي ستبقى خالدة على مر الزمان.
لكن ما تروّج له الآلة الإعلامية الغربية، ومعها بالطبع أبواق العلمانية في بلاد الإسلام من تحرير للمرأة الغربية هو بلا شك دعاية كاذبة، لأن المرأة الغربية لم تحقق أي مكسب سوى استعبادها وإخراجها للعمل في عصر الثورة الصناعية.
وكمحاولة لملاءمة مع الفكر الغربي فقد طالبت بمفاهيم جديدة، وإعادة قراءة النص الديني بالتركيز على الحجاب، وتعدد الزوجات والعمل خارج المنزل وذلك عبر المدارس العلمانية والبعثات العلمية فكان الغزو الفكري مكان الاستعمار. فما الذي تقاسيه المرأة من خطاب ديني يغلب عليه السيطرة السياسية والتيارات المتشددة؟ وعما تواجهه المرأة المسلمة من تحديات وماهي الخطوات التي يجب العمل بها لتفادي ما نخشى عقباه، ورغم تعدد الأسئلة وما تبرزه من احتياج لمزيد من البحث والأشكلة في علاقة الدين بالتحرر، والتحرر النسوي منه على وجه الخصوص! كان لنا لقاء مع بعض شرائح المجتمع لنأخذ آراءهم بذلك.
البداية كانت مع زينب – موظفة سابقة مع إحدى الجمعيات الاجتماعية - إذا ما أردتُ الحديث من وجهة نظرٍ شخصية، دينية وعقائدية، فإنني ودون شك على يقين أنّ الأديان السّماوية وأهمّها الإسلام قد أنصف المرأة. وقد أوصى رسولنا الكريم صلّى الله عليه وسلم، بإنصافها وتكريمها وعدم إهانتها في الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة.
لكن الحداثة الغربية والانفتاح على الغرب زعزع هذه الموازين بحجة المساواة والمناداة بحقوق المرأة. وقد ساعدت القضايا السياسية في دعم هذا "السّمّ" تحت عنوان الإسلاموفوبيا وعادات الرجل الشرقي والتقاليد، فوجدت أغلب النساء في هذه المسميات ملاذًا في المطالبة بالتغيير واستعملت الحجج كسلاح وللأسف قد أصابوا الهدف. ومن خلال عملي في الجمعيات ودخولي إلى الكثير من المنازل واطلاعي على كثير من المشكلات الاجتماعية وجدت أنّ كثيراً من النسوة قد انصعن تحت هذه المطالبات، فدُمّرت عائلات وخُرّبت البيوت وتشتتت الأسر، فخلعت النساء حجابهن بحجة التحرر والاقتناع وأنه ليس بفرض. وأخريات تركن أولادهن سعياً وراء العمل والشهرة والخروج من المنزل دون إِذن زوجها.. نزوات ستغير مجتمعاً بكامله إن لم يتم التصدي لها.
كما اعتبرت هند – ماجستير شريعة - إن أكبر تحدٍ تواجهه المرأة المسلمة في العصر الحالي، هو انعقاد المؤتمرات الدولية التي تهتم بقضايا المرأة، والتي تسعى جاهدة لتنفيذها. كما أن دور وسائل الإعلام في هذه الحالة ينبغي أن يكون قويًّا من خلال فضح تلك الأهداف، وما ترمي إليه من إفساد المجتمعات المسلمة، وإشاعة الإباحية والانحلال، فينبغي أن يسلط الضوء فيها على ما يتعلق بفتاوى الأسرة والأحوال الشخصية. كما ينبغي تكاتف الجهود للعمل على إنشاء قنوات تعليمية تربوية تخص بتعليم المرأة المسلمة التعليم ولو عن بعد في مختلف العلوم الشرعية.
"غايتهم الوصول إلى عالم منقلب على فطرته تسقط فيه الأسرة والعفاف والحياء والرجولة والأنوثة، هكذا بدأت سعاد - مديرة مختبر – لقد نجحوا بشكل لم يكن العقل ليصدقه في الغرب، ويعملون على جر بلادنا لهذا الأتون مستخدمين ذريعة الحقوق، يتحدثون عن التحرش ولا يتحدثون عن أسبابه، لأنهم حقيقة لا يهمهم القضاء على التحرش، لكن المهم لديهم النجاح في الوصول إلى أنظمة تعطي الفتيات حق عرض أنفسهن دون وازع ديني أو حياء ومن غير خوف من أي تعرض لهن في أسوأ أحوالهن، بينما المقصود بمنع التحرش بالفتيات منع التعرض لهن مطلقًا".
وعن طرق المواجهة مع هذه الأفكار رأى حسام – صاحب مكتبة – أنّ ما تحتاجه المرأة هو الدعم الإعلامي الإسلامي للفعاليات التي تهتم بإظهار الصورة المضيئة للمرأة المسلمة، كما إقامة البرامج الحوارية التي تتحدث عن مواضيع المرأة المسلمة والتي تعتمد على إبراز الرأي الصحيح، والرأي المخالف للشريعة الإسلامية والعمل على الرد بالحجة الصحيحة التي تحمل وجهة النظر الصحيحة من خلال اختيار علماء، ومتخصصين في الشريعة والتربية والاجتماع، وغيرهم من الدعاة والمفكرين الذين يحملون همّ الدعوة الإسلامية وذلك لمعرفة كيف يفكر الطرف الآخر المخالف وإقامة الحجة عليه.
وعند السؤال عن القوامة، أكثر إشكالية في هذا المجال قالت غادة - طالبة سنة ثالثة شريعة - القوامة تعني القيام على أمر الدين وفق الشرع، والالتزام بالعدل والقسط فإنها مسؤولية تكليفية على الرجل في أسرته، بتوفير الحاجات المادية والمعنوية بما يكفل لها الإشباع، وفي توفير الحماية وهي في كلا المستويين قرينة العدل، فقوامة الرجل على المرأة تعني قيامه على شؤونها وشؤون أسرته والقسط فيها، وهذا بخلاف ما إذا كان التعبير عنها بكلمة سلطة أو نحوها.
وفي سياق متقارب يرى محمود- محامي - أنّ التعامل الأمثل والأنسب لمحاربة -الطغيان/الإهمال- الذكوري ضد الأنثى يتجلى في سحب الرجل نحو الأسرة وواجبه المجتمعي، وليس بإخراج الأنثى من سياقها ووضعها في مقابلة تنافسية معه؛
لأن في هذه الحال ستتفكك الأسرة وأثر تفكيكها على تفكيك الدور المنوطة به هذه الأمة؛ لأنها الحلقة الوسيطة بين الفرد والمجتمع التي يتحول بدونها لمجموعة من العناصر المتنافرة، فهل نكون حينها بصدد استبدال طغيان أبوي قديم بهجومٍ نسوي يفصل الأسرة ويحطم البنيان من أجل التمرد لا من أجل الدفاع الحقيقي واسترداد الحقوق بالعدل لاستقامة الحياة؟
في الختام لا يسعني إلا التأكيد أن المرأة حظيَت في الشريعة الإسلامية مكانةً عاليةً، ولقد عدل الشرع الحنيف بينها وبين الرجل، فأعطاها ما لها، وأوجب عليها ما عليها، منها حقّ التعليم والتعلُّم، لقد خصص النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يومًا لتعليمهنَّ أمور دينهنَّ وتفقيههنَّ فيه.
كما حظيَت المرأة بحقِّ المعاملة الحسنة والرفق فيها فالنبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان آخر ما أوصى به في حجة الوداع هي المرأة .كما لها حقّ اختيارها للزوج الصالح، وأعطاها الحقُّ في المشاركة في الحياة السياسة والاجتماعية، وها قول النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- خير دليل حيث قال: "كلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته، فالإمام راعٍ وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها، والخادم في مال سيده راعٍ وهو مسؤول عن رعيته"، وبناءً على هذا الحديث يُمكن القول بأنَّ من أهداف الإسلام بناء المجتمع الكامل الذي يكون فيه لكلٍّ من الرجل والمرأةِ دورًا مهمًا ومتكاملًا فيه، ولكلٍ منهم أعطاه الدور الذي يتناسب مع شخصيته وجنسه وقدرته وكفاءته .سيكون لنا إن شاء الله في المقال القادم الرد على شبهات التميز بين المرأة والرجل كالميراث والتعدد والطلاق والمهر... وغيرها من الفروق.
كما أود أن ألقي الضوء على كتاب- العلمانية وعلاقتها بعولمة المرأة – للدكتورة إيمان عنتر التي أكدت أن المرأة تماثل الرجل في أمور، وتفارقه في أخرى، وأكثر أحكام الشريعة الإسلامية تنطبق على الرجال والنساء سواء، وما جاء من التفريق بين الجنسين ينظر إليه المسلم على أنه من رحمة الله وعلمه بخلقه، وينظر إليه الكافر المكابر على أنه ظلم، ويظلّ المسلم مطمئناً بالإيمان مستسلماً لأمر الله.
ومن التوصيات التي دعت لها أهمية دور الأسرة المسلمة بتسليح المرأة منذ صغرها بالعلم الشرعي لمواجهة شر هذه العولمة وتعزيز الانتماء للعقيدة الإسلامية، وتحذير المرأة والمجتمع من خطر العولمة في تخصيص برامج خاصة بالمرأة والأسرة وتعريفهم بحقوق المرأة التي أعطاها لها الإسلام، وأنها أعظم حقوق من بين الشرائع والأديان، وأخيرًا أهمية إعداد كوادر لتوعية المرأة من خطر هذه العولمة بإعداد محاضرات ودورات تدريبية تعرفها على أهداف هذه العولمة الشيطانية التي تريد إفساد المرأة المسلمة وهدم الأسرة وتفككها.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة