زلزال المغرب وإعصارُ ليبيا جُرحان لم يلتئما بعد
لحظاتٌ تحبسُ الأنفاس، ينقلبُ فيها الهدوءُ صخَباً والأمانُ رعباً، فتتزلزل الأرضُ في (إقليم الحوز المغربي) ليُدفن فيه ما يقرب من أربعة آلاف إنسان تحت أنقاض بيوتهم، وآلافٌ مفقودون، وتعصر السماءُ ماءَها في (درنة الليبية) فتتهدمُ السدودُ، وتغمر السيولُ أكثرَ من عشرة آلاف إنسان، ومثلُها مفقود. والحصيلة في ازدياد.
مشاهدُ نقلتها وسائلُ الإعلام تذوب لها القلوب ألماً وأسى، تقرّب للأذهان تصورَ نهاية العالم والنفخَ في الصور، المقروء في قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا مَن شَآءَ ٱللَّهُۖ} .
وإن من الإجحاف أن تمرّ أخبارُ الكوارث، فيذكرُ فيها أرقامُ الموتى والجرحى، ثم تطوى وتنسى كسائر الأخبار.
بل لابدّ من التوقّفِ عندها وتلقّفِ العِبَرَ، إذ هي هزاتٌ عنيفة، توقظ في الإنسان السوي إنسانيتَه، وفي المسلم إنسانيتَه ودينَه.
ومن هذه العِبَر:
- ألّا تحبسَ الحدودُ الدولية المصطنعة مشاعرَ المسلمين كما حبستْ أجسادَهم، فيديرون ظهورَهم لإخوتِهم المكلومين في المغرب وليبيا، بل ينبغي عليهم أن يشاركوهم في مِحنتهم، ويحملوا عنهم من آلامهم، وكأنهم في الميدان نفسه. امتثالاً للصورة الإيمانيّة العميقة في الحديث النبويّ الشريف: 'مَثَلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمَثل الجسد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائرُ الجسد بالسهر و الحمّى' رواه البخاري ومسلم.
- تجنّبُ الكلام الذي يبرر به بعضُ الجهَلَة تخاذلهم تجاه المنكوبين بالفعل أو القول، في صورة تجرح مشاعر المنكوبين وتخالف سُنّة المواساة، مثل القول بأن هذه الكوارث حلّت بهم بسبب ذنوبِهم ومعاصيهم. في حين ضَمنهم حديثُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعدّهم شهداءَ في قوله: ' الشّهداءُ خمسةٌ: المَطعُونُ، والمبطُونُ، والغرِيقُ، وصاحبُ الهَدم، وَالشَّهيدُ في سبيل اللَّه' متفقٌ عليهِ.
- ألّا تنحسرَ نجدةُ المنكوبين من جرّاء الكوارث في بلدانهم فحسب، بل يُدعى إلى إنشاء مؤسسة دولية إسلامية، يقع على عاتِقها الاستجابةُ السريعة للكوارث التي تحلّ بالمسلمين على جميع الأصعدة، من وُرش الدفاع المدني إلى تجهيز بدائل سكن صحيّة للإيواء، إلى إعادة إعمار.
- أن يستشعرَ الناسُ الذين تخطتهم النكبةُ إلى غيرهم - وهم لا يملكون الضمانة منها، بل قد تحلُّ بهم في وقت من الأوقات - قدرةَ الله تعالى، فتلهجُ ألسنتُهم بحَمد الله تعالى وليّ كلّ نعمة، ومنها نعمتا الأمن والسكن، وأن تترسخَ في قناعتهم أن السلامة والعافية والقوة هي هباتٌ مَنّ الله تعالى بها على عباده، إن شاء أبقاها عليهم، وإن شاء أخذها منهم.
إنَّ الوقوف على هذه العِبَر واستلهام الدروس منها، يخففُ من آلام المنكوبين، ويُدمِل جراحهم، وينشر بين الناس ثقافة التعاون والتآخي التي حضّ عليها الإسلام، ويدعوهم لأخذ أسباب الحيطة والحذر من الموت الذي قد يداهمهم في أي وقت، من خلال دوام حمد الله تعالى وشكره، و تحرير النيّة وتغيير السلوك.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة