حقيقة الحياة والممات في معركة غزة الجهاد!
عندما أشاهد، ويشاهد العالم معي ما تحدثه حالة الحرب الجهادية في بقعة صغيرة من أرض فلسطين السليبة، حيث استنفر ذلك العالم من أقصاه إلى أقصاه وحشدت دول الكفر العالمي أساطيلها في عرض البحر وطوله في مواجهة قلة مؤمنة أذاقت العدو اليهودي الغاشم في ساعات، ما لم يذقه في سنوات.
أقول عندما أرى كل ذلك أقول في نفسي صدق الله، ومن أصدق من الله قيلًا، عندما يقول سبحانه: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} الآية.
ولن أذهب بعيدًا عن معنى الآية المتعارف عليه، ولكن من جمال القرآن وروعته أنه في أسلوب ما ترمي إليه الآية، في معناها القريب لا يقل أثرًا عن معناها البعيد، وذلك أنه من قدرة الله العلي القدير أن يخرج الإنسان، وهو في عالم الغيب من النطفة وهي في عالم الموت، ويخرج الفرخ الحي الذي يدبّ على الأرض من البيضة الميتة الصماء.
فهذا كله مما هو متحقق وقوعه باليقين ولكن أيضًا في معنى الآية البعيد ما هو متحقق مثاله في أرض فلسطين، وفي غزة هاشم منها تحديدًا؛ حيث إنّ هذه الأرض المباركة قد وقع عليها الحصار المطبق في الأرض، والبحر، والفضاء، منذ أكثر من خمسة عشر عامًا، وكانت قبل تحت ذلّ الاحتلال اليهودي الغاصب، فهي مقارنة بدول أو مناطق لها في الجوار العربي، كمثل ميت يجاور حيًّا، وليس موتها بسبب أهلها فهم أهل حياة حقيقية، وكل عرق في أبنائها ينبض بالحياة وإنما المراد هنا موت الفقر والعوز بسبب التضييق والحصار مع الصمت المطبق من أبناء القوم والدين الواحد في الجوار.
فالحقيقة هنا أن أبناء غزه في فلسطين كانوا في حالة من الموت غير المعلن، قبل أن يجريَ ما جرى بالأمس القريب عليهم ولكنّ الله سبحانه شاء أن يخرج منهم الأحياء الحقيقيون، مقابل عالم عربي مجاور ينعم أكثر أهله بحياة من نوع آخر حياة يسودها البذخ والترف، ومظاهر النعيم المزيف، هم في حقيقة الأمر في موت غير معلن، وهم في غالبهم قد اقتبسوا من أعداء الله اليهود حب الحياة، مهما تكن رفيعة، أو وضيعة، وكراهية الموت، وسادة القوم فيهم يقولون لأهل الجهاد في فلسطين خذوا ما تريدون من أموال، ولكن دعونا نعش بسلام، وأبعدوا عنا كأس الحرب، والقتال، فمن هم حقيقة الأحياء بين القوميْن.
إنّ الله أعطى لأهل غزة الشرفاء ما لم ينله غيرها من منحة الصبر، والثبات والعض على كل حبة تراب بالنواجذ والنياب، فهم ورغم كل ما أصابهم من الولدان فيهم إلى الشيبان، لم يغادروا أرضهم ولسان حالهم يقول نموت في أرضنا شرفاء، ولا نعطي شبرًا منه للأعداء، وقديمًا قالوا من فرّط بأرضه قد فرّط بعرضه، فكلاهما محل شرف لأهله.
إنّ غزة هاشم اليوم في حياة حقيقية وإن كانت كل أسلحة الدمار الشامل تنهال على رؤوس بنيها ليل نهار، فتحوّلهم دون سابق إنذار ولا إخبار إلى أكوام من الجثث المتفحمة المحترقة، والأشلاء الممزقة، فالحياة بدأت عندما خرج من المجاهدين من خرج، وقد نفضوا عن رأس أمتهم غبار الذل والهوان، والانحناء لرؤوس الكفر، والطغيان من اليهود والصلبان، وباغتوا حفدة القردة والخنازير قتلة الأنبياء والمرسلين في عقر دارهم المغتصبة من أهلها وأذاقوهم كأس الانهيار، والانحدار إلى قاع الذل والانكسار. وليكون هؤلاء المجاهدون جيوشًا جرارة لا يميّز قادتها بين الربح والخسارة، ويوهمون شعوبهم بأنهم انتصروا على عدوهم بأن أخرجوهم من أرض تم تحويلها إلى صحارٍ في قفاره.
إنّ أهل غزة الأبيّة هم أصحاب الحياة الحقيقية، وهل الحياة التي ارتضاها الله لعباده إلا تلك التي تخرج من أفواه البنادق، كما خرجت قبل من العاديات الجياد.
جعلنا الله وإياكم من الذين يحيَون حياتهم مرتين: مرة قلب ينبض في صدورهم، وآخر رصاص عزٍّ يخرج من أفواه بنادقهم والحمد لله رب العالمين.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة