قراءة الكتب أم التلقّي عن الشيوخ؟
قد يبدو السؤال غريبًا، لكنّه سؤال نسمعه بين الحين والآخر، ويريد أصحابه أن يكون الجواب: بل التلقي عن الشيوخ، وقد يدعمون جوابهم بعبارة مسجوعة: "مَن أخَذَ العِلمَ عن الكتاب فخَطؤه أكثر مِن الصواب". فكأنّهم يحذّرونك من القراءة في الكتب لأنّك بذلك ستزداد جهلًا وخطأً. وهذا الجواب ليس صوابًا بالمطلق، كما أنه ليس خطأ بالمطلق.
المسألة تحتاج إلى تحرير، أي إلى توضيح: متى يكون التعلّم من الكتاب ممدوحًا، ومتى يكون مذمومًا، ومتى يتوجّب التلقّي عن الشيوخ؟...
إنّه لا يكاد يُتصوّر أن يتعلّم الإنسان بنفسه كلّ ما يريد من غير اعتماد على معلّم، فهو يبدأ بتعلّم الحروف الأبجدية ومبادئ القراءة والكتابة، بل تعلّم كثير من قواعد الحساب وقواعد النحو ومبادئ العلوم... عبر المعلّمين.
كما إنه لا نكاد نتصوّر عالمًا تلقّى كلّ مفردات علمه عبر الأساتذة والشيوخ، بل إنّ كلّ عالم قد جمع معظم مفردات علمه من خلال مطالعته للكتب.
وإذن ينبغي مواجهة السؤال ببعض التمحيص، وبمراعاة ظروف الزمان والمكان.
إنّ مبادئ كلّ علم، وليكن علم الفقه مثلًا، لا بدّ وأن تؤخذ من أفواه العلماء، كما أنّ حَلَّ كثير من عبارات كتب الفقه لا يتيسّر إلا بالأخذ عن العلماء.
ولكن ماذا بعد اجتياز هذه العقبة؟ ألا يجوز، بل ألا يجب على طالب العلم، أن يتابع التحصيل عبر قراءة كتب الفقه؟.
وماذا لو لم يجد المسلم حوله أساتذة وعلماء يمكنه الأخذ عنهم؟ هل يبقى في جهل مطبق؟ وهل يكتفي بما تعلّمه في الكتب المدرسيّة وهو مقدار شحيح؟! أم ينبغي أن يستدرك حاجته عبر ما يتمكّن من قراءته؟!.
إنّ الأمّة التي ابتدأ الوحي عليها بكلمة "اقرأ" لا ينبغي لها أن تتوقّف عن القراءة، وإنّ الأمّة التي أرسل الله تعالى لها رسولًا (ليُبيّن للناسِ ما نُزّل إليهم). {سورة النحل: 44}، والتي يقول لها رسولها صلّى الله عليه وسلّم: "إنما بُعثتُ معلّمًا". رواه ابن ماجه والدارمي. هذه الأمّة، ينبغي لها أن تحرص كلّ الحرص على التلقّي من المعلّمين.
إنّ الفصام بين المسألتين، مسألة التلقّي عن الكتب أو عن الشيوخ، لا ينبغي أن تكون حائلًا دون أخذ العلم بكلّ طريقة ممكنة. وحيثما تيسّر للمسلم أن يلقى العلماء الموثوقين بسلامة عقيدتهم، واستقامة سلوكهم، وغزارة علمهم... فليحرص على مجالستهم والأخذ عنهم واستشارتهم فيما يحسُن قراءته من الكتب. كما أنّ من يطلب العلم لا ينبغي أن يتوقّف عن القراءة، وسوف يميّز أصناف الكتب التي تُعَدُّ من المراجع الموثوقة والمفيدة... من الكتب الأخرى التي لا تُسمن ولا تغني من جوع، بل قد تسمّم الفكر والقلب. ولا يأنف بعد ذلك أن يحصّل فائدة علميّة ممّن يملكها، سواء أكان مالكُها من أساتذته، أم من أقرانه، أم من تلامذته.
والمسلم الذي أخذَ العلمَ عن الكتاب، ولم يتهيّأ له التلقّي عن الشيوخ، لعلّه يتجاوز مرحلة الجهل إلى مرحلة من العلم يصبح فيها متعلّمًا أو مثقفًا... ولكن قلّما يصبح فقيهًا أو مفسّرًا أو محدّثًا... اكتفاءً بما حصّله من الكتاب، إلّا أن يشاء الله (وإن يردك بخيرٍ فلا رادّ لفضله). {سورة يونس: 107}.
(وقُل: ربِّ زدني علمًا). {سورة طه: 114}.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
هل تظنُّون؟!
السنوار... رسالة الرمق الأخير
فلْتَكُنِ العربيّة مادّة وازنة!
من شموس المشرقين.. في تاريخ هذا الدين!
فكُن إيجابيًّا