أخصائية نفسية تربوية، لبنان
مراهق أم مُرهَق؟ فك شيفرة مرحلة صعبة

رحلة التربية التي يعيشها الآباء قد تكون من أهمِّ الرحلات التي يخوضونها، ولكنَّها لا تخلو من مطبّات وعقبات.. تلك العقبات التي يعيشها المربُّون، بل ربّما يصنعونها.. وفي مقدّمتها المراهقة بلا منازع، حيث يتجهّز المربُّون لها ويهيِّؤن أنفسهم لخوض تلك الجبهة، ولكن هل فكَّرنا يومًا لِمَ تبدو هذه المرحلة من عمر أبنائنا صعبة هكذا؟!..
أعطني سمعك اليوم لنتحدّث عن أسرار مهمّة لتسهل تلك المرحلة.
النقطة الأولى التي يجب أنْ نعرفَها أنَّ المراهقة هي واحدة من أهمّ المراحل الانتقاليّة في حياة أبنائنا، وأنَّهم يمرّون خلالها بتغيُّرات جذريّة وحاسمة على الصعيديْن النفسي والجسدي، وكذلك بناء هُويَّتهم، لذلك فإنّها تترافق مع مشاعرَ متضاربةٍ وحالة جسديّة مُتعِبة وتغيّرات نفسيّة مُربِكة يخوضها المراهق وحده فيغدو بذلك مُرْهَقًا، مُتْعَبًا، مُضطربًا، بل ومكتئبًا... ولكن للأسف لعدم العلم الكافي من الأهل يظنّون أنّه يتقصّد إتعابهم، ويستهدف سلطتهم، وتدور الصراعات بين شابٍّ لم تمسَّ قدمُه عالمَ الكبار بعد، ووالدٍ يراه مراهقًا متمرِّدًا، ويتشبَّث كلٌّ منهم برأيه، فغدت مرحلة المراهقة ذلك الكابوس الذي يهرب منه الآباء...
النقطة الثانية التي قد تنفع؛ هي شرح التغيُّرات التي يمرّ بها الأبناء حتى نفهم سرَّ تلك التقلّبات المزاجيّة كلِّها؛ حيث تُعتبر صدى لكميّة تغيُّرات جسديّة ونفسيّة واجتماعيّة. فالتغيُّرات الجسديّة التي يمرّ بها المراهق تترافق مع كميّات كبيرة من الهرمونات التي تفرز في أجسادهم، وهذه الهرمونات تُرْبِك الجسد فيُنتج ذلك المزاجَ الحادَّ، والانفعال المبالغ، والحساسيّة المفرطة. كما تترافق معه عمليّات نموٍّ كبيرة وسريعة ممّا يجعل المراهق في بعض الأحيان غير قادر على التحكُّم في أطرافه حتى، هل تخيَّلتم الأمر فقد تفلت منه الأشياء بسبب ضعف تحكُّمه...
عدا أنّه يخوض صراعًا ليتعرَّف إلى نفسه، ويحدِّد هُويَّته، ويبني لنفسه هُويَّة خاصّة يستمدّها من عقيدته ومعتقداته والأعراف المحيطة به، إلّا أنّ عليه أنْ يصبغَها بصبغة خاصّة، لذا فسيغرق في ذاته ويحاول فهمها ويعي نفسه وما يحبُّ وما يكره...
هذه التغيُّرات كلُّها هي جزء صغير من كمّيّة تغيُّرات كبيرة، والأصعب أنّها سريعة، فهو لم يَعْتَدْ شكلَه الغريب عنه حتّى تهاجمه التغيُّرات النفسيّة، وما إنْ يسعى لتقبُّلها حتى يجد تغيُّراتٍ اجتماعيّةً عليه أنْ يتماهى معها، ويترافق مع ذلك كلِّه شعور متناقض، فهو يريد أنْ يُثبت لمَن حوله أنّه الكبير الذي يستطيع أنْ يقوم بما عليه بينما تُرهقه المسؤوليّات فهو غير قادر على حلِّ الأمور وحده، ويتحرّج من طلب المساعدة ويَعلق في منطقة متوسّطة بين الطفولة والشباب.
بعد ذلك كلِّه يمكننا القولُ إنّنا فتحنا نافذة على عالم قَلَّ مَن يعرف خفاياه، وبيَّنا لكم أنَّ المراهق لا يقصد أيّ فعل ممّا ترَوْنه مجابهة أو مواجهة، بل هو يحتاج منكم أنّ تتفهَّموه وتشعروا به، أنْ تعرفوا مقدار التعب والتخبّط الذي يعانيه، أنْ تتحدّثوا معه وتناقشوه بكلّ ما يحدث معكم وتمنحوه ثقتكم، لا أنْ يسودَ الشكُّ ويقتصرَ دوركم على المراقبة والتصويب، أنْ تتفهّموه وتساعدوه على الراحة فهو يحتاج إليها بشدَّة، وأنْ تكونوا قدوة حسنة له في فهمكم واستماعكم وتقبُّلكم.
وأكثر ما يمكن أنْ يساعدَ في ذلك أنْ تتذكروا أنفسكم في تلك الفترة، وتعطوه ما كنتم تتمنَّوْن أنْ يقدِّمَه لكم آباؤكم..
وبعد كلّ ما عرفتموه، برأيكم: هل هي مُراهَقَة أم مرحلة مُرهِقة؟؟
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
صراع الخير والشر أم صراع الشر والشر؟
خطر التفاهة على الأبناء
العيد.. عيديْن! رحلة في بلاد الشرق
عرفةُ... اعرِف فيه قلبك
وليال عشر