باحثة في قضايا الأسرة والمجتمع
الأسرة في مرمى التغيير: قانون جديد أم مشروع تفكيك؟

في زحمة ما يُطرح اليوم من قوانين ومشاريع "إصلاحية"، يبدو أن الأسرة – بأبعادها الروحية والاجتماعية والشرعية – أصبحت الحلقة الأضعف. فبينما تتقدم دعوات لتطبيق قانون موحد للأحوال الشخصية، تتعالى الأصوات منادية بـ"المساواة" و"حرية الجسد"، لكنها في الحقيقة قد تحمل مشروعًا صادمًا لإعادة تشكيل الأسرة بعيدًا عن قيمنا وثوابتنا.
الشريعة ليست قيدًا... بل صمّام أمان
يشيع البعض أن الأحكام الشرعية المتعلقة بالأسرة باتت متجاوزة، ويجب استبدالها بنظم مدنية "عصرية". لكنهم يتغافلون عن حقيقة أن الشريعة قدّمت نموذجًا متوازنًا يحفظ للمرأة والرجل كرامتهما، دون تحميل أي منهما فوق طاقته.
فعندما يُسقط القانون المقترح المهر ويجعل النفقة على المرأة الموسرة بدل الرجل، فهل هذه مساواة، أم قلب للحقائق الفطرية والشرعية؟
في النَسَب... خلل أخلاقي وقانوني
من أخطر ما يُطرح هو الاعتراف بأبناء الزنا والاغتصاب ومنحهم حق طلب النسب، وهو ما يفتح الباب لاختلاط الأنساب، وتشويه بنية الأسرة.
الأدهى أن القانون ذاته يحرم أبناء الزوجة الأخرى من النسب حتى بالتبني. هذه التناقضات لا تهدد النظام الأسري فحسب، بل تُدخل المجتمع في دوامة فوضى أخلاقية يصعب التنبُّؤ بتبعاتها.
الطلاق... من حلّ شرعي إلى مأزق قانوني
الطلاق، الذي جعله الإسلام مخرجًا كريمًا حين يستحيل الاستمرار، أصبح بموجب هذا المشروع رهينة لإجراءات مرهقة ومهينة. لا يمكن للزوجين أن يفترقا وديًا، إلّا بعد كشف أسرارهما أمام القضاء، وإذا لم يقتنع القاضي، فليجربا الانفصال الجثماني ثلاث سنوات!
أيُّ منطق هذا الذي يجعل الانفصال أصعب من الزواج، ويحوّل الخصوصية الزوجية إلى مادة للتداول القضائي؟
حرية الجسد... أم فوضى القيم؟
المشروع يتعامل مع الخيانة الزوجية باعتبارها "حرية شخصية"، ويُقنِّن زواج الشواذ جنسيًا كخيار مقبول وقانوني، بل ويعطيه اعترافًا كاملاً.
في هذا الإطار، لا يعود الحديث عن "الأسرة" بمفهومها التقليدي ممكنًا، بل نحن أمام إعادة تعريف الأسرة بالكامل، في اتجاه يُفكك المعنى الأخلاقي والديني لهذه المؤسسة.
الميراث والعدة: أين العدالة؟
ينصُّ المشروع على المساواة الكاملة بين الذكر والأنثى في الميراث، رغم أن المرأة في الإسلام غير مطالبة بالإنفاق، بخلاف الرجل. فهل نساوي في الحقوق ونتجاهل الواجبات؟
أما عِدَّة المرأة، فقد تقلبت بين 300 يوم، إلى ثلاثة أشهر، ثم أُلغيت تمامًا، وفيه انتهاك واضح لأحكام النسب والطهارة.
ليست "تحديثًا"... بل تفكيكًا ممنهجًا
حين نقرأ هذه البنود بعين ثاقبة، نُدرك أن الهدف ليس تحديثًا تشريعيًا، بل تحوّلًا جذريًا في بنية الأسرة، يتماشى مع أجندات أممية لا تُخفي نيتها في تفكيك النظم القيمية، وإحلال الفردانية محل الروابط المجتمعية والدينية.
وكل ذلك يتم تحت شعارات براقة قد تُغري السطحيين، لكنها تخفي وراءها مشروعًا لتذويب هوية المجتمعات الإسلامية.
كلمة أخيرة...
إن الأسرة ليست مجرد عقد قانوني بين طرفين، بل هي وحدة روحية واجتماعية مقدّسة، ومتى تم العبث بأسسها، فإن انهيارها لن يطول.
لذلك، فإننا – كنساء ورجال – بحاجة اليوم إلى وعي أكبر بما يُحاك لمجتمعاتنا. فالمساواة الحقيقية لا تعني قضم الخصوصية، والحرية لا تبرِّر هدم القيم.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الأسرة في مرمى التغيير: قانون جديد أم مشروع تفكيك؟
مع اشتداد محنة أهل فلسطين المباركة: اللهم أنت المرتجى وإليك الملتجى
حب الرسول محمد ﷺ واتباع سنته
الاستعداد للعام الدراسي الجديد: كيف نحمي أولادنا من التنمر؟
ذكرى المَولد النبويّ الشريف: بلغة الشوق والحبّ