رمضان فرصةُ عمري
في الواقع هناك اعتبارات عدة تجعل من رمضان فرصة عمرنا:
• أولاً: لما حدد لنا اللهُ الهدفَ الكُليَّ والأساسي من خلقه لنا بقوله: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون):
- علمنا تعالى نظرياً كيف نعبده بإرساله الرسل وتوضيح المنهج الذي نسير عليه حتى نحقق هذا الهدف.
- وأتاح لنا فرصة الممارسة العملية للعبادة بتخصيص محطات كثيرة على مدار السنة، غير أن المحطة الكبرى والفرصة العظيمة ادخرها لنا ربُّنا في رمضان.
• ثانياً: رمضان فرصة عظيمة للارتقاء بنوعية عبادتنا ولتحسين صلتنا بالله تعالى:
- فعندما يبيّنُ لنا ربُّنا الغاية من الصيام بقوله: (يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيامُ كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)، ندرك أن المقصود هو الصيام الذي يُثمر التقوى، وليس صيامُ الجوع والعطش.
- وعندما يُخبرنا رسولُنا الكريم بأن: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه" وكذلك "مَن قام رمضان إيماناً واحتساباً" يفهم بأن المطلوبَ نوعيةُ الصيامِ ومضمونُه لا مظاهرُه الخارجية.
• ثالثاً: رمضان فرصة عظيمة للتغيير على الصعيد النفسي والأخلاقي والسلوكي:
- فعندما ينبهنا رسولُنا الكريم إلى أنَّ "مَن لم يدع قولَ الزور والعملَ به فليس لله حاجةٌ في أن يدعَ طعامُه وشرابُه" فهذا توجيه يتعلق بنفسيتنا حتى تستقيم، وبأخلاقنا حتى تسمو، وبسلوكنا حتى ينضبط بضوابط
الشرع، فقول الزور ينطلق من نفسية مريضة وأخلاق متدنية ولسانٍ منحرف. والحريصة منا على صيامها تتنبه لخطورة انحراف اللسان فتبتعد عن الكذب وعن الغيبة وعن النميمة والبهتان وعن السخرية والاستهزاء بغيرها... فيستقيم لسانهُا وتسمو أخلاقُها.
- وعندما أخبرنا رسولُنا بأنّ من فطّر صائماً كان له مثلُ أجره... فهو يعوّد أنفسَنا الشحيحة على الإنفاق، فتسارع إلى البذل في سبيل الله باحثة عن أبواب الخير، وهي موقنة بأن وعدَ الله حق، وبأن ما عنده خيرٌ وأبقى.
• رابعاً: رمضان فرصة لتغيير أنماط تفكيرنا وممارساتنا:
- فالتي اعتادت منا على الفوضى في حياتها: تعلمت من رمضان النظام: نقوم للسحور في وقتٍ محدد، ونمسك عن المفطرات بوقت إن تجاوزناه ضاع صيامُ يومنا، ونفطر أيضاً في وقت معلوم، ونصلي التراويح... ونجتهد في إتمام ختمة على الأقل في رمضان، ونُخرج زكاة الفطر في وقت لا ينفع التأخر عنه... وهكذا، نسير على هذا النظام شهراً كاملاً... فنعتاد على تنظيم حياتنا، لأن العادة – أخواتي – تحتاج إلى 21 يوم حتى تتغير، والله أكرمنا بـ 30 يوم لنحقق هذا الهدف. المهم أن تنبع إرادة التغيير من داخلنا، قال تعالى: (إنَّ اللهَ لا يغيِّر ما بقومٍ حتى يغيِّروا ما بأنفسهم).
- والتي اعتادت على قِصر النفَس، تعلمت الصبرَ من الصبرِ عن الشهوات، والصبرِ على النظام الذي يفرضُه رمضان، والصبرِ على العبادات بمختلف أنواعها وأشكالها.
- ومن هنا نفهم سرَّ الانتصارات التي حدثت في رمضان: ذلك لأنه منظومة قيمية متكاملة طبقها الرسول وصحابته ومَن بعدهم، فأثمر لهم انتصارات ساحقة غيّروا بها وجه العالم.
وفترة الشباب – أيتها الطالبات – أفضل فترات حياتنا لنُحدث التغيير المطلوب على صعيد الفرد والمجتمع والأمة.
فكلُّ الذين كان لهم أثراً تغييرياً في الأمة كانوا من الشباب:
- أصحاب الكهف وصفًهم ربُّنا جل وعلا بأنهم: (فتيةٌ آمنوا بربِّهم وزدناهم هدى)، فقد تحدَّوا المجتمع الكافر وأعلنوا عقيدة الإيمان بالله وحده، تاركين كل المتع التي كانوا عليها فراراً بدينهم.
- وسيدُنا يوسف عندما أحدث تغييراً جذرياً في المجتمع المصري كان شاباً.
- ورسولُنا الكريم أولى الشباب عناية خاصة، فعدّ من السبعة الذين يُظلّهم اللهُ في ظِلّه: وشابٌّ نشأ في طاعة الله"، وعدّ من الخمسة التي يجب أن نغتنمها: "وشبابَك قبل هرمك".
- وجعل عليه الصلاة والسلام من صحابته الشباب قادة، لدرجة أن أمَّر أسامة بن زيد حين كان عمرُه 19 عاماً على جيشٍ فيه أبو بكر وعمر.
- وكذلك معظمُ القادة العِظام من الصحابة الذين فتحوا البلاد كانوا من جيل الشباب.
- وفي تاريخنا المعاصر نذكر الإمام الشهيد حسن البنا مجدِّد القرن العشرين، الذي بدأ دعوته وهو شاب صغير.
- والشيخ الشهيد أحمد ياسين الذي أحيا من جديد فريضة الجهاد في سبيل الله في فلسطين، بدأ مسيرتَه شاباً.
- ومعظم الاستشهاديين والاستشهاديات كانوا من الشباب.
فالأمة الإسلامية غنية بجيل الشباب عكس غيرها من الأمم، وهي بحاجة إلى تسخير طاقاتهم خدمة لدين الله ونهوضاً بالمجتمع الإسلامي، وصولاً إلى استلام قيادة العالم المتعطش للمنهج الإسلامي.
ورمضان هذا العام فرصة يجب أن نغتنمَها، فربما لا يمتد أجلُنا لرمضان المقبل... عندها نكون قد ضيعنا فرصةَ عمرنا.
فالمسارعة المسارعة قبل فوات الأوان.
وكل رمضان ونحن إلى الله أقرب.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة