هل من علاج للإلحاح والإسراف إذا اجتمعا؟
المشكلة
أختي الحبيبة، عندي مشكلة مع ابنتي الصغيرة، وعمرها تسعُ سنوات، مبذِّرة جدًّا، ومسرفة، وعنيدة، وأحاول جاهدة تقويمها، ولكنها لحوح؛ مما يضطرني إلى نَهْرِها بشدة، وأحيانًا أنسى عقابي لها بمنع المصروف وأعطيها.
ولا أدري كيف أقوِّمها؟
فأجبتُها:
أختي الفاضلة، نصحيتي الأُولى لك: ألا تنهَريها، وألا تُكثري من الكلام؛ فلن يجديَ الكلام شيئًا، فقط خذي طريقًا واضحًا في التعاملِ مع الموضوع، وكوني هادئةً وحازمة، ولا تنسَيْ إيقاعَ العقاب إذا توعدتِ به؛ لكيلا تذهَبَ هيبتك، أو تتهاونَ صغيرتك في التنفيذ.
وإليكِ الحلَّ:
كل طفل يعيش في بيت أهلِه وقد تَوفَّر له الطعام والشراب والمأوى والضرورات؛ (من ملابس، وكتُب، ومصاريف دراسة...)، وتبقى الكمالياتُ من الألعاب والأجهزة الإلكترونية والأشياء التي يحتاجُها الصغارُ في بعض المراحل العُمرية، وهذه فيها خلاف، فبعضُها سائغٌ ويحتاجُه الطفل حقيقةً، وبعضه الآخر يقلِّد الصغارُ فيها بعضهم بعضًا، وكلما رأوا شيئًا أرادوا مثله، سواء أكان يناسبهم أم لا، وسواء أكانوا يحتاجونه أم لا.
وهذه الكماليات لستِ مضطرة لمجاراة مَن حولك في اقتنائها، ولكلِّ بيتٍ قِيَمه.
والمال مفسدة، وكثرةُ الشراء فتنةٌ للصغير، ونحن نحرِمُ أولادَنا منه لصالحهم، وليس عقابًا لهم أو تضييقًا عليهم.
فلا يظن الصغارُ أنَّا نمنَعُهم من الشراء توفيرًا للمال، فليس هذا المقصدَ أبدًا؛ وإنما لإعدادِهم للحياة بشكلٍ جيد، ولو كانت بنتُك تعيش في كنفِ أبٍ مليونير ومقتدر، فإنها لا تضمَنُ المستقبل، ولا تعرفُ كيف ستكون حالة زوجها المادية؛ ولذا يجبُ تدريبُها على القناعة والرِّضا.
ستسألين: كيف؟
أفضلُ شيء أن تحدِّدي لها قانونًا أو قواعدَ تُسَهِّلُ التعامل بينك وبينها من جهة، وبينها وبين المال من جهة أخرى، فابدئي بالمصروفِ الشخصي:
1- اجعَلي لها مصروفًا بمقدار (كذا باليوم) يتناسبُ مع حاجاتها، ولا يزيد ولا يتغير إلا بعد عام.
2- هذا المصروف لها وتُنفقُه كيف تشاء، ولو أرادت إنفاقه بالشراء من مقصف المدرسة أو من الدكان القريب فهي حرَّة، أو تدَّخره لآخر الأسبوع أو آخر الشهر، فتشتري به اللُّعب والأغراض الشخصية الكمالية.
3- واستعملي معها أسلوبًا جادًّا لمزيد من الحزم والحسم (كما القوانين الواقعية للشركات)، مع إضفاء المرَحِ على الموضوع؛ فاعملي جدولًا وألصقيه على الحائط، فيه مقدارُ مصروفها اليومي أو الأسبوعي أو الشهري، وعندما يحينُ موعد تسليمه ناديها واطلبي منها التوقيع على استلامه (على الجدول الأصلي، أو توقع في ورقة منفصلة)، وذكِّريها أنهالن تنال أيَّ قرش حتى يحين موعد القبض التالي، ولا تتهاوني مهما فعلَتْ أو بكَتْ أو تضرَّعت.
وإذا استمرت بالإلحاح فعاقبيها بالحذفِ من المصروف.
4- وإذا أفسدت أشياءَها، فاحذفي من مصروفها مبلغًا بمقدار ثمنِ الشيء الذي فسد، وإن أفسدت عن عمدٍ فضاعفي المبلغَ المحذوف.
5- ولا تنسَيْ أن تغسلي دماغَها كل يوم: وأقصدُ كلما ظهر إعلانٌ يُهمها نفِّريها من السلعةِ، بحجَّة أنهم يُجمِّلون بضائعهم، ويزيِّنونها بالدعاية، وليست كذلك بالحقيقة، وأكثرها كماليات لا نحتاجها، وأكثري من ذلك الكلام.
وحتى تحصلي على نتيجة جيدة؛ أبعديها عن الصديقاتِ المسرفات والمتطلبات، وصادقيها وتحدَّثي معها، واعرِفي ميولها وأسبابَ إلحاحها.
6- وكلما أحضرتْ شيئًا مما كانت تُلِح عليه، اسأليها: هل وجدتِه كما توقعتِ؟ إذا قالت: نعم، فقولي لها: فإذًا استمتعي به آخرَ استمتاع، ولا تطلُبي غيره قبْلَ شهرٍ.
وإذا قالت: لا، فقولي لها: إذًا فكِّري عشرَ مرات قبل أن تشتري أي شيء آخَر؛ لكيلا تُصبِحي لعبة في يد المنتفعين، وتخسري مصروفك على سِلع سريعة العطب أو لا تلزمك.
ودعيها تشعُر بأن الإنسان كلما حصل على شيءٍ رغب بما بعده، وقولي لها بصراحة: "كلما أتيتُكِ بشيء أهملتِه وتشوقتِ لغيره، فما الفائدة إذًا؟ وإن لم تتمتعي بما معك بعد أن تشوقتِ إليه، فلن تتمتعي بغيره، وقد أرفض إحضارَه لك! وإن الإنسان لا يستطيعُ اقتناء كل شيء، وإنما يختار شيئًا ويسعد به، وإن لم يلجم نفسه، فلن تتوقَّفَ أحلامه وطلباته، وسوف يعيش تعيسًا".
7- وزيِّني لها البضائعَ الجميلة المفيدة التي تختارها، واجعليها تتعلَّق بها بعد أن تشتريها، وأَثْنِي على ذوقها، وحُسن اختيارها، وسهِّلي لها سُبل الاستفادة من ممتلكاتها، وذكِّريها بما تنساه وتهمله من مقتنياتها، ولعلها ترضى وتكتفي بما لديها.
واصبِري وادعي لها، وإن شاء اللهُ سوف تستقيمُ لك
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن