ألقى الشيخ حسن قاطرجي خطبة الجمعة اليوم في مسجد التقوى في طرابلس ومما جاء فيها:
تدبُّرُ آيتين ـ في سورة المائدة ـ من كتاب الله عزّ وجل لفَتَتا الأنظار إلى إنزالين تكلّم عنهما كتابُ ربّنا الذي يتآمر عليه الأعداء ولا يَضيرهم أن تكون تلاوته مجرّد تبريكات أمّا أن نتلقاه دستوراً فإنهم يعادوننا أشدّ العداء.
الإنزال الأول: نزل القرآن الكريم بالحق وفيه الحق ويحمل الحق، يقول الله عزّ وجل: "وأنزلنا إليك الكتاب بالحقّ مُصدقاً لما بين يديه ومهيمناً عليه ... ثم قال : فاستبقوا الخيرات"
والذي أضافه هذا الكتاب على الكُتُب السابقة : شموليته وهيمنته "ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء" فهو يشتمل على منهاج كاملٍ شاملٍ لكل شيء؛ من أحكام ومُثُل وقيَم وقوانين، ثم هو كتابٌ مهيمنٌ وأمته مهيمنة، لسيت هيمنة استعبادٍ ولا إذلال للبشر ولكنها هيمنة (هداية وقيادة) ، فالله تعالى أوجب علينا أن نهدي البشرية إلى هداية السماء كما أوجب أن نقود البشرية، وهي أمانة ربّانية واجبٌ أن تتهيأ لها الأمّة وأن تُعِدّ رجالها ونساءها عليها : بعقيدتها وإيمانها وأخلاقها ودستورها الذي يتفوّق على كل الدساتير الوضعية.
فاستبقوا الخيرات أي استبقوا أعماركم في هذه الحياة الدنيا بفعل الخيرات ، وهي كلّ ما يرضاه الله تعالى.
كما تناول الحديث الذي رواه الإمام أحمد وورد في كتب دلائل النبوة وحذّر فيه من ستِّ فتن !! فصَحَّ عنه أنه قال: " أخاف عيكم ستاً ـ وفي بعض ألفاظ طرق الحديث: بادروا بالاعمال ستاً ـ إمارة السُّفهاء ، وكثرة الشُّرَط ، وبيع الحُكم ، واستخفافاً بالدمّ ، وقطيعة الرحِم ، ونَشَأً يتغنّوْن بالقرآن لا يُقدّمون أفضلهم ولا أفقهَهُم".
والإنزال الثاني: قوله تعالى: "وأنْ احكُم بينهم بما أنزل الله ولا تتّبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك" ، أي : وأنزلنا إليك يا محمد أنْ احكم بينهم بما أنزل الله ، فربنا خلق البشر وأمَرَهم أن يحكموا بدينه، وكلّ خروج وتحريف لحكم من أحكام شريعة الله هو اتّباع للأهواء، وما قيمة أهواء البشر أمام حكم الله ؟ !! لذلك على المؤمنين الاعتزاز بالتمسك بحُكم الله وكتابه وأنْ يوقنوا أنه فرضٌ منه سبحانه ، ولا يجيز الله لنا أن نساوم حتى على بعض القليل من حُكمه وشريعته أو نتنازل عنه.
ثم أضاف أن الجنون العالمي والاضطراب الدولي والتّيه الذي تعاني منه البشرية وخصوصاً في الجوانب الأخلاقية والقِيَمية التي تتخبّط فيها المدنية الغربية، وفي لبنان أيضاً نعيش حالة استثنائية من الاضطراب وعدم الاستقرار كل ذلك سببه الابتعاد والإعراض عن منهج الله وغياب أداء المسلمين عن دورهم وتغوّل القوى (8 و 14 آذار) التي تتحكّم فيها العقليّة الفئويّة وتتستّر أبرز فصائل (8 آذار) وراء الدين والمذهب لإخفاء الإجرام وممارسة السياسة الفئوية والتسلط على مقدرات الدولة والوقوع في الظلم ... مع الارتباط من كلا الطرفين بالأجنبي الخارجي سواء أكان أمريكياً غريباً أم إيرانياً.
والبشرية كلها بانتظار أمتنا ولكن عندما تعود إلى دينها وقيمها وأحكام ربها ... ونحن علينا أن نتبنّى الحقّ كاملاً من الناحية المبدئيّة ، أما من الناحية العمليّة فالواجب علينا شرعاً تحصيل الممكن بكل ما أُوتينا من قوة وحشد للطاقات ، وأن نتقدم بحسب قدرتنا على إنجاز الممكن، ولا تظلم أحداً من الطوائف ولا المذاهب ونصرّح ونعلن ونعتزّ أن بلدنا والمنطقة والبشرية لن تسعد إلى بعودتها إلى كتاب الله تعالى.
ثم ذكر وصية شيخ الإسلام الإمام الفاضل الفُضيل بن عياض:
"الزَمْ طريق الهدى ولا تستوحش من قلّة السالكين .. واحذر طريق الردى ولا تغترّن بكثرة الهالكين"
وأضاف أن أعداء الإسلام يريدون الدين خالياً من عناصر قوته وهي خمسة عناصر من قطعيات الدّين: تطبيق الشريعة - الدعوة إلى الله - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - الولاء والبراء - الجهاد في سبيل الله.
وفي الخطبة الثانية علّق الشيخ حسن قاطرجي على تفجيري طرابلس الإرهابيين فأضاف:
قبل أسبوعين حصل هذا التفجير الآثم هنا في مسجد التقوى والسلام وكلنا تأثّرنا وتألّمنا وتعلّمنا أن أقدار الله تعالى لا رادّ لها ونسأل الله تعالى أن يتقبّل الشهداء، والذين جُرحوا نسأله أن يعجّل سبحانه شفاءهم فقد أصابهم قدر الله عزّ وجل وقال الإمام المحاسبي: "من عرف الله لم يتهمه ! ومن عقل عن الله رضي بقضائه " ومما انكشف لنا أن الأصابع التي تقف وراء هذا التفجير هي أصابع النظام الذي يخيف الناس الذين يعارضون إجرامه والذين يقفون ويتضامنون مع الثورة السورية المباركة، ولكن والله لن نخاف... ولماذا نخاف؟؟؟!!! فالشهادة مبتغى كلّ واحدٍ منا.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم : "ما يجد الشهيد من مسّ القتل إلا كما يجد أحدكم من مسّ القرصة"
مَن منكم يريد الشهادة؟ كلنا بإذن الله ... اللهم أنلنا الشهادة في سبيلك وبلّغنا منازل الشهداء،
أرواحنا فداء دينك يا رب العالمين، وخاصةً إذا كانت الشهادة في ميدان القتال ومواجهة الكفار أو في ميدان العبادة..
ثم ذكر الشيخ نماذج عن أحوال الصحابة وحبهم للجهاد والشهادة في سبيل الله وختم الخطبة ببيتين من الشعر:
غدًا تعودُ إلى (التقوى) مفاخِرُهُ *** وإلى (السلامِ) نشيدٌ صاعدٌ هامُ
لن يُخرِسوا الحقَّ إنّ الله ناصرنا ..... مهما تمادَوْا فنارُ الظلمِ أوهامُ