مصر محرقة المال الخليجي
السياسة المعاصرة ملعونة، ملعون تلونها وممارسها إلا من عصم الله تعالى وقليل ما هم؛ فالمبادئ تكون لا مبادئ، ولا سلطان للدين والأخلاق في عالم السياسة، إن هي إلا المصالح فقط، والمصالح الآنية الحاضرة، وعند العرب المصالح الخاصة الضيقة على حساب الأمة جمعاء.
وفي عالم السياسة يمكن في لحظة واحدة التحول من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وعدو الأمس يكون صديق اليوم بلا خجل ولا حياء.. وإلا من كان يظن أن القوميين والناصريين والشيوعيين وهم ألد أعداء الحكومات الخليجية -وخاصة السعودية- وقد حاولوا قلب نظام الحكم أكثر من مرة أيام الفتنة بالهالك جمال عبد الناصر.. من كان يظن أن تصبح العلاقات بينهم وبين دول الخليج دافئة جدا، ومليارات الدولارات تتدفق عليهم من السعودية والإمارات والكويت لسحق الإسلاميين في مصر!!
ظنّ المهندسون لانقلاب العسكر في مصر أن شراء السيسي وعصابته من العسكريين وحفنة من الإعلاميين والقوميين والشيوعيين والناصريين ببضعة مليارات كفيل بأن يطيح بالإخوان والسلفيين في مصر؛ ليعود عصر الديكتاتور حسني مبارك بوجه آخر، وتعود الحياة إلى طبيعتها في مصر، ولكن الأمر تعقد جدا، وإني على يقين أن المنفقين على الانقلاب يعضون اليوم أصابع الندم وهم يرون تردي الأوضاع في مصر، وتراجعها عن دورها الإقليمي وثقلها في الشرق الأوسط في هذه الأيام الحرجة؛ لتبرز إيران وإسرائيل.
عجبا للخليجيين.. ورطتهم إسرائيل وأمريكا في الانقلاب، واغتبطت به إيران وبشار الأسد الذي أشاد بالسيسي وبالجيش المصري، وانتفع به محور الشر الصهيوني المجوسي انتفاعا كبيرا، ودوله الأربع لم تنفق دولارا واحدا. وتضررت به دول الخليج ضررا بالغا وهي التي أنفقت عليه ولا زالت تنفق المليارات {فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ} [الأنفال: 36].
ومن الخذلان للحكومات الخليجية أنها تتعامل مع عصابة من اللصوص، ومحترفين في السرقة والابتزاز، يعني المليارات التي ترسل من الخليج لا تصل إلى الشعب المصري فتسكن غضبه، وتشبع جوعه، وتعوض خسارته، وتدمل جراحه، فتستقر الأوضاع، وينجح الانقلاب. وإنما تصل للصوص الشعب المصري الذين سرقوه خلال العقود الماضية، فيودعونها في حساباتهم في سويسرا، وفي النهاية فإن اللصوص المبتزين من مصلحتهم بقاء الاضطرابات في مصر لسحب أكبر قدر ممكن من أموال الخليج.
وبالأمس نقلت (رويترز) أن وزيرة الماليه السويسريه (إيفلين فيدمر شلومف) كشفت أن البنوك السويسريه قد وصلها في الثلاثة أشهر المنصرمة وحدها من مصر (65 مليار دولار) أغلبها ببصمة الصوت فقط ومنها ما تم إرساله عن طريق طرود مغلفه بطائرات خاصة.
تذكرت وأنا أقرأ الخبر ما نشره أحدهم في تويتر عن تحرير الكويت، وذكر أنه كان حاضرا وقت التحرير -يعني شاهد عيان- ومما ذكر أن الجيش المصري استغل الفوضى وقت دخول القوات الأمريكية وسرق جنوده البيوت الكويتية وحمل أثاثها في شاحنات الجيش المصري، هذا هو الجيش الذي تتعامل معه دول الخليج الآن.
وقبل أشهر اعترف وزير داخلية الانقلاب محمد إبراهيم بأنه على اتصال بكبير المجرمين وخريج السجون المصرية البلطجي (نخنوخ)، كما اعترف عدد من البلطجية أنهم يقبضون لترويع المصريين مكافأتهم من الداخلية المصرية، وهي بالطبع محولة من الخليج، يعني أموال الخليجيين تذهب للصوص مصر.
ولصوص مصر أساتذة في الابتزاز، ولسان حالهم يقول لحكام الخليج: أرسلوا لنا مليارات وإلا انهار الانقلاب وعاد الإسلاميون، والحكومات الخليجية تمني نفسها في كل مرة تحول فيها المليارات أن هذه آخر مرة ترسل فيها المال، ولكن تتلو المرة الأخيرة مرات ومرات.. حتى غدت مصر محرقة للمال الخليجي.
إن الجسد السياسي المصري مريض جدا، وكل دم (مليارات الدولارات) ينقل إليه يفسد في داخله ويحترق، وهو أشبه ما يكون بشراء الخليجيين بترليونات الدولارات لسندات الشركات الأمريكية التي كانت توشك على الانهيار؛ لإنعاشها والضحك على النفس بأنها إذا انتعشت عادت بفوائد على الخليجيين، ولكنها غرقت وغرقت معها الأموال الخليجية الضخمة، حتى اشتهر الخليجيون لدى الساسة الغربيين أنهم مبدعون في حرق الأموال الطائلة في صفقات خاسرة.
في ظني أن الخليجيين خسروا مصر في كل الحالات الثلاث المحتملة:
1- فإن نجح الانقلاب -وهو أضعف احتمال- فإن الجيش المصري وقد سلب أموال الخليج سينحاز بعد نجاحه إلى أمريكا وإيران ويركل الخليجيين، ومن خان لك خان لغيرك، وعالم السياسة ليس فيه عواطف ولا مبادئ ولا رد جميل؛ فأمريكا تنفق على الجيش المصري، وهي القوة المسيطرة التي يطلب النفعيون ودها، ولا نفعيين وابتزازيين كقادة الانقلاب، وما قيمة دول الخليج إزاء إيران وأمريكا حتى يفي لها عسكر مصر؟!
2- وإن فشل الانقلاب وعاد الإسلاميون للحكم فقلوبهم تغلي على الخليجيين بخيانتهم لهم، وغدرهم بهم، ولن يجبر قلوبهم شيء.
3- وإن انتشرت الفوضى في مصر، فقد الخليجيون العمق العربي الاستراتيجي لهم، وصاروا في العراء أمام الأحلام الفارسية المجوسية، والمخططات الصليبية الصهيونية لتقسيم الخليج والاستحواذ الكامل على ثرواته وتشريد أهله.
أسأل الله تعالى أن يهدي قادتنا في الخليج للرشاد، وأن يزيل عنهم غشاوة الباطل والإصرار عليه، وإذا أذن بعقوبة أن يخص بها ولا يعم عباده، إنه سميع قريب.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة