قيود الحب القديم كيف أكسرها
قيود الحب القديم كيف أكسرها؟
مشتاق إليها... لا أستطيع نسيانها... إنها قابعة في داخلي... أتذكرها وأحلم بها... لا تزال ترافقني... حاولت تناسيها.. وأن أخرجها من أعماقي، ولكن عبثاً حاولت... في قلبي مزيج من الثورة والحنين... الثورة غضباً من نكرانها وجحودها وهروبها، والحنين لكل ما كان بيننا... لكل ما فيها....
كان هذا جزءاً يسيراً مما قاله لي واصفاً معاناته بعد أن تركته وتزوجت ابن عمها... لم تكن هذه الجمل تنقص مفرداتها، أو يقلّ إحساسها، أو تنطفئ جذوة لهيبها في كل مرة ألتقيه بها وأسأله عن حاله... على الرغم من تباعد الفترات بين لقاءاتنا...
في آخر مرة كان يشتكي متذمراً ناقماً على عقله مستاءً من قلبه... زعم أنه يود لو ينساها، ولكنه لا يستطيع؛ فحبها سكن قلبه، وأنساه كل حب قبله، وأخذ يعبر عن سخطه على واقعه: ثلاث قصص حب خلال سبع سنوات!!!... وفي كل مرة يعود أدراجه خائباً وحيداً... متى سيستقر عاطفياً ويلتقي "ببنت الحلال"؟!!
أخذت أفكر فيما قاله مركزة على جملة جوهرية... "حبها سكن قلبه وأنساه كل حب قبله"... فسألته: وهل أنساك الحب الذي قبله الحب الذي سبقه؟... أطرق ثم هزّ رأسه بالإيجاب... لحظاتٌ صمت فيها، ثم قال: في السابق كنت لا أستطيع الخروج من حالة حبٍّ حتى تملأ حياتي حالة جديدة... ولكن هذه المرة أشعر أني مكبل لا أستطيع حتى أن أنظر لسواها أو أفكر بسواها... لقد عشش حبها في قلبي، وامتدّت جذوره داخل أوردتي ليسير مع دمي... فكيف أنساها؟
كيف ينساها؟ هل دواء النسيان سيكون فتاة جديدة وحباً جديداً؟ كيف يستطيع الشاب أو الشابة تجاوز قصة حب فاشلة؟! ربما سيقول قائل الآن: وهل قصص الحب أصبحت من المسلَّمات الطبيعية في حياتنا باعتبارنا مسلمين؟! وإنني أقول: بالتأكيد علاقة المرأة والرجل التي تحكمها المشاعر لا تكون حلالاً إلا تحت مظلة الزواج والعلاقة الشرعية... ولكن عندما يزلّ القلب، وتضعف النفس، وتعبر عن حبها للطرف الآخر متذرعة بأن هذا التعبير إنما هو الخطوة الأولى قبل الزواج، ثم تسير الأمور بعكس ما يريد الطرفان، فلا تكون خطوبةً ولا يكون زواجاً... فما الحل عندها؟ كيف يتجاوز كل منهما هذه المرحلة، فلا يتعثر بمشاعره وخيبة أمله، فيتكبل ويغدو عاجزاً وكأن الدنيا قد انتهت، وكأن عقارب الساعة قد توقفت فلم يعد للحياة معنى ولا للمعاني معنى؟
الأمر بالتأكيد ليس سهلاً لكنه ممكن، إلا أن نجاحه يتعلق بأربعة أمور هامّة ورئيسية:
1- جدّية القرار بتجاوز هذه الحالة... قرارٌ يترجمه فعل، وليس قراراً باللسان فقط... فكثيراً ما نسمع من فتيات وشباب أنهم يريدون ذلك، ولكن أفعالهم لا تقود للنسيان، بل تُزكي مشاعر الفقد والحرمان، فتراهم يستجلبون الذكريات، ويعيشون على الأطلال... وإذا نظرنا إلى أفعالهم الإرادية رأيناهم بحُرِّ اختيارهم يترددون إلى الأماكن التي تذكرهم بمن أحبوا... ويستمعون الأغاني التي تثير أحزانهم... وغيرها...
إذن الحل هنا يكمن في ضبط الأفعال الإرادية، وذلك بالابتعاد عن كل ما من شأنه أن يؤجج مشاعر الحزن والألم والشوق والحنين، ولا شكّ أن هذا يَسْهُل بترديد مجموعة من الأفكار وتكرارها... لأن الفكرة تولّد الشعور، والشعور يولّد الفعل، وهذه الأفكار كثيرة، مثل: "الزواج قدر رسمه الله تعالى للعبد... الخيرة فيما اختاره الله... عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم... لا شك أن هذا الشخص ليس هو المناسب لي، وفراق اليوم أحسن من طلاق الغد....".
عندما يتمّ تكرار هذه الجمل فإنّ مشاعر الاطمئنان والرضا ستهيمن على النفس، وهنا ينشأ القرار الجاد بتجاوز الحالة ومتابعة الحياة، فيُقبل الشاب على الحياة مبتعداً عن رواسب الماضي وعلائقه...
2- قصة الحب.... بمعنى آخر: هل كل حب مرّ به شاب أو فتاة هو حب حقيقي؟ وكم من المرات نعتقد أننا نحب، وأن ما نمرّ به "حالة حب" ونقنع أنفسنا بذلك، ولا يكون ما نمرّ به في الحقيقة إلا وهماً قادنا إليه فراغ في قلوبنا، ورغبتنا في أن نكون أبطالاً في قصة حب حقيقية عساها تشبه ما سمعناه ممن حولنا أو رأيناه في المسلسلات والأفلام... ثم أتينا إلى الطرف الآخر نريد أن يكون فارس أحلامنا، فتخيلنا أنه هو، ثم صدقنا أنه هو؟؟! لذا بعد فشل أية حالة حب سيكون من المفيد جداً أن يعود المتألم إلى نفسه ليختبر مشاعره، لأن تجاوز الحالة سيكون يسيراً جداً عندما يكتشف أن ما كان فيه لم يكن حباً حقيقياً من أساسه...
3- البدائل النفسية والاجتماعية: وهذه البدائل لها تأثير كبير في تجاوز المرحلة، فالقاعد الذي لا يشغل نفسه بشيء ولا يسعى لتحقيق أي هدف سيبقى مع ذكريات الماضي يتجرع آلامها وأحزانها، وهنا من الضروري أن نعلم أن من أكبر الخطأ أن تكون البدائل النفسية قصة حب أخرى لأن هذه القصة بالتأكيد لن تكون حباً حقيقياً بل ستكون مخدراً أو قرص منوم نريد به أن ننسى الماضي... وكم سمعنا عن حالات طلاق كان سببها أن أحد الزوجين أقبل على هذه الزيجة بعد قصة حب فاشلة...
لذا فإن البدائل هنا التي ستعين على تجاوز المرحلة يجب أن تكون أشغالاً وأعمالاً وسعياً لتحقيق بعض الأهداف (كمتابعة الدراسة والتحصيل العلمي... الالتزام بعمل مناسب يستهلك الجزء الأكبر من الوقت... القيام بأعمال خيرية وإنسانية... ممارسة هوايات محببة....).
4- الإيمان بالله والثقة بالله والتوبة إلى الله: فكما أسلفت، كل علاقة بين الذكر والأنثى تحكمها المشاعر خارج نطاق المظلة الشرعية علاقة محرّمة... لذا يمكن تجاوز المرحلة بسهولة عند اللجوء إلى الله والتوبة إليه، وخاصة عندما يدرك المرء أن في القلب فراغاً لا يملؤه إلا الله، وفي النفس شعثاً لا يلمه إلا الله، وأن الحب الذي يلجأ له ويبحث عنه إنما هو بسبب بعده عن الله وقلة صلته به سبحانه... ولو ملأ حب الله قلبه لما بحث عن حب سواه...
وهنا يبرز أمر هام يتعلق بمدى صعوبة أو سهولة تجاوز الحالة، وهذا الأمر يتعلق بما كانت عليه حدود العلاقة بين الطرفين... فإن كانت العلاقة تقتصر على المشاعر، فلا شك أن الأمر سيغدو أسهل مما لو كان بين الطرفين تجاوزات سلوكية ومحرمات شرعية.... وفي كل الأحوال يبقى اللجوء إلى الله وطلب المعونة منه السبيلَ الأهم في تجاوز كل عقبة تعيقنا وتقف في طريق حياتنا...
وتبقى تجاربنا في الحياة خير معين لنا على الاستمرار، فليست المشكلة في أن نَزِلَّ فنقع، لكنّ المشكلة ألاَّ نقف بعد أن نقع، ولنتذكر دائماً:
من المستحيل أن ننسى الماضي ولكن من الممكن دوماً أن نبدأ من جديد....
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن