تمييز وتبيين: بين لكم دينكم ولِيَ دين
لقد خصَّ الله تعالى من رضي لهم من عباده نعمة الإسلام بأن جعل ذلك من تمام النعمة بالإكمال له والرضا لهم، فقال سبحانه: {اليوم أكملْتُ لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا.} [المائدة: 3].
وهذه الخصوصية المنفردة لدين الله الحق تمتد لتلامس كل ما يمكن عدَّهُ أصلًا أو فرعًا فيه، لتصل إلى ما هو من المناسبات والأعياد التي يتميز بها أهل هذا الدين عن غيرهم، والتي هي مما تُعظم فيه شعائر الله في الأرض. والله تعالى يقول: {ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب.} [الحج: 32].
ومن لا يعظم تلك الشعائر فهو بالتالي ممَّن يعظم شعائر غير المسلمين ويكثر سوادها، ولا ثالث بينهما. ولقد قال رسولنا عليه الصلاة والسلام يومًا لأبي بكر رضي الله عنه من جملة حديث: "يا أبا بكر، إن لكل قوم عيدًا وهذا عيدنا."
فلولا هذا التمييز بعد التخصيص لما كان ثمَّة ضرورة في إحياء عيد على حساب عيد آخر، ولكان للمسلم أن يجمع بين أعياد الأديان الأخرى بحجج يمكن للشيطان أن يمليها عليه، وقد أملاها ليس على واحد من أهل التوحيد وإنما على جماعات منهم تحت ستار حسن الجوار والمواطنة والعيش المشترك.
وهذا ما يقودنا إلى الدخول في صلب مقاصد مقالنا المأخوذ من عنوانه، وهو التمييز والتبيين بين {لكم دينكم ولي دين.} [الكافرون: 6].
إن الله أنزل في كتابه ما يفيد ذلك العنوان ويؤطّره تأطيرًا، وذلك نجده أولًا في الخطاب الرباني للرسول الكريم في قوله تعالى: {وَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزلَ اللهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللهُ إِلَيْكَ.} [المائدة: 49].
وشاهد القول في الآية التحذير للرسول وبالتالي لأمَّته من الافتتان عن بعض ما أنزل الله، ذلك أن للقوم أكثر من مسلك ومدخل للوصول إلى ما يفسد على المسلمين دينهم أو يصبغه بغير لونه الحقيقي خلافًا لصبغة الله فيه: {صبْغَةَ اللَّهِ وَمَن أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صبْغَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ.} [البقرة: 138].
ومن هذه المداخل الشركية والوثنية إحياؤهم أعياد غيرهم، وفي مثل هذه الأيام التي تصادف آخر السنة المعروفة ميلادية، حيث إن للنصارى اعتقاد بميلاد السيد المسيح عليه السلام في مثل تاريخ هذه الأيام. ونحن نقول هنا إننا لسنا بصدد مناقشة القوم في صدقية هذا التاريخ مع الترجيح بعدم صوابه الرقمي، فإننا ومن منطلق قوله تعالى: {لكم دينكم ولي دين.} فإنه ما يعنينا هو التمييز لنا عن القوم في أفراحهم وأتراحهم.
ذلك أنه وكما للقوم دينهم وطقوسهم، فلنا نحن مثل ذلك، وليس للمسلم أن يصبغ دينه بغير ما ينبغي صبغه به من المظاهر المخالفة للدين والتي تجعل المسلمين تبعًا لهم وأذنابًا مساعدة في تعظيم مناسكهم، كتزيين البيوت بما يسمى بشجرة الميلاد المزينة بما يسمى بابا نويل، ووضعها ونصبها على واجهات المحلات وحتى في البيوت مزاحمين بذلك من هم أحق بذلك وفقًا لمعتقدهم.
إن الذي يجري في بلدنا الذي فيه كثير من المذاهب والفرق من مشاركة كثير من المسلمين لأصحاب هذا العيد الميلادي من البهجة والفرحة معهم ومجالستهم ورفع أعلامهم وتمجيد سنتهم كأنها مناسبة للمسلمين نصيب من الخير فيها، فإنه من الضروري القول إن الله سبحانه لم يمنع المسلم حُسن الجوار مع غير المسلمين، بل إنه أمر بذلك وحضَّ عليه لقوله تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين.} [الممتحنة: 8].
وإن هذا الأمر الرباني واجب العمل به، ولكن ليس مطلوبًا منا أن نتجاوز هذا البر والقسط معهم حدوده، ولا قيود الدين فيه، فيقودنا ذلك إلى التشبه بالقوم قلبًا وقالبًا، ورسولنا الكريم يقول: "من تشبَّه بقوم فهو منهم."
نسأل الله تعالى السلامة في الدين وحسن اليقين. والحمد لله رب العالمين.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"




تمييز وتبيين: بين لكم دينكم ولِيَ دين
هل تعبّر هوّية الـنّصوص عن هويّتنا في مناهجنا الدّراسيّة؟
اقرأ...
وقفـات.. قبل الممات والفوات!
فجرُ النصر في سورية… يومٌ طوى صفحةَ الطغيان إلى غير رجعة