فن التفكير الإيجابي
بقلم: الأستاذة وفاء مصطفى
دُبيّ
بعض الشباب إذا وقع في مشكلة يصيبه التشاؤم، ويداهمه اليأس، وتهاجمه الأمراض، ويؤثر الهروب على المواجهة، وتغلب عليه فكرة واحدة: إنه ضحية البيت، والظروف، والمجتمع. تراه ماهراً في إطلاق الأعذار الواهية، والتبريرات الزائفة، يسوق الأسباب التافهة، يفكر ويتحدث بلغة الفاشلين السلبية، ويحذو حذوهم، ويفكر مثلهم، يُداخله الضجر، ويصهره السأم، ومع ذلك فهو يظل «محلّك سر» لا يفعل شيئاً للخروج من هذه الدائرة المفرغة.
إن الإنسان السلبي يعطِّل طاقاته الهائلة التي أودعها الله تعالى فيه، ويقتل مواهبه، ويئد قدُُراته، ويفقد جميع الفرص المتاحة أمامه من المبادرة، والتطور، والتقدم للأمام، ويصبح كالصقر الذي فقس بين الكتاكيت التي تتجمع حوله، وكلما حاول الطيران قالت له: مستحيل أن تطير، فما أنت إلا كتكوت صغير ونحن معشر الكتاكيت لا نطير. فلم يحاول ولم يجرِّب الطيران، بالرغم من أنّ لديه جناحين قويّيْن، وظل محروماً من متعة الطيران طوال حياته، وعاش ومات وهو لا يدري أنه صقرٌ قويّ.
عمارة الأرض
إنّ الله سبحانه وتعالى قد خلقنا في هذه الحياة لنعمرها، وأهّلنا لعمارتها خير تأهيل، وسخّر لنا ما في السموات وما في الأرض، ووهبنا القوة والهمة والإرادة والعزيمة: {وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} (الجاثية: 13).
قوة العقل
إنّ الله تبارك وتعالى ميزنا بالعقل لنتفكر ونتدبر ونَعقِل، فإنْ لم نفعل فما الفرق بيننا وبين المخلوقات الأخرى؟ يقول العلماء: إن العقل كالعضَلة تحتاج إلى تدريب باستمرار، يجب تعويده على التفكير السليم، واتخاذ القرار المناسب، وحل المشكلات، وتجاوز المنغِّصات، وتخطي الإحباطات، وتجنُّب المعوِّقات، إنما العلم بالتعلم، والحِلم بالتحلُّم، والتفكير السليم بالتفكُّر والتدبر؛ فالمِران حياة العقول، وكلما تمرّن على حُسن التفكير قَوِيتْ عضلته وأصبح سليماً معافىً، ويظل يعمل بكفاية عالية وهو في أوج نشاطه، مبدعاً بالشكل الذي خلقه الله من أجله، والعقل مثل الجسد يتكيف معنا طوال مراحل عمرنا، واللحظة التي نتوقف فيها عن استخدام عقولنا ستصبح طاقة معطّلة يمكن أن نفقدها إذا لم نعمل على استغلالها بالشكل الصحيح.
قوة الإرادة
الشخص الإيجابي نموذج يحتذى بدينه وقِيَمه ومبادئه، وفطرته السليمة التي فطره الله عليها كالوردة الفوّاحة التي ينتشر شذاها فيما حولها، يتقبل النقد البناء بصَدر رحب، لا يستجيب للمُحبِطات من حوله، ولا للسلبيات المثبِّطة التي توهن العزائم وتئد الهِممَ، وإنما يؤمن بقوله تعالى: {فإنّ مع العُسْر يُسراً ] إنّ مع العُسْر يُسراً} (الشرح: 5 و6)، ويُخضع إرادته لمشيئة الله، فيرى في مَطَبّات الحياة فرصاً لإثبــات وجــــــــــوده،
ويجد في الأزمات تحديات لاغتنام الفرص الكامنة، وفي الشدائد مكامن المِنَح، وفي المشكلات غنائم للفوز، وفي التحديات وسائل للتوفيق لأحسنها. فالاختلاف بين الشخص الإيجابي وبين الآخرين ليس نقصاً في المؤهلات والدرجات العلمية وإنما هو نقص في الإرادة!!
والتفكير الإيجابي ليس معناه أن نرى الحياة دائماً بلون ورديّ، وإنما أن نرى الحياة بعيْن الواقع لا الخيال، بحُلوها ومُرِّها، وخيرها وشرها. والحياة كما خلقها تبارك وتعالى تتقلب وتتغير وفق نواميس الكون: فتتعاقب الأيام، ويتعاقب الليل والنهار، والشمس والقمر، وفصول السنة...
لماذا الإيجابية؟
أثبتت الدراسات أنّ هناك علاقة طَرْدية بين الإيجابية وزيادة الإنتاج، فإنّ تبنّي الموقف الإيجابي يقوّي دوافعك للعمل ويُشعل حماستك، ويحرِّك رغبتك في الإنجاز، وينمّي طاقاتك الإبداعية ويشجِّعك على الابتكار ويساعدك على التميز، ويزيد إنتاجيتك، ويقوّي روابط الود بينك وبين الناس، ويوطِّد ويساهم في بناء العلاقات الاجتماعية على الصعيديْن الشخصي والعملي، مما يبرز الجوانب المتميزة في شخصيتك فيقوّيها وينمّيها، فيلتف الناس حولك، ويُؤْثرون التعامل معك، مما يضفي عليك شعوراً بالرضا والسعادة والاتزان والاستقرار النفسي.
الأسلوب الإيجابي
إذا أردت أن تكون إيجابياً فالاختيار اختيارك، ولا يستطيع أحد على وجه الأرض أن يمنعك من الوصول إلى ذلك؛ فالأسلوب الإيجابي مثل المغناطيس: يجذب الأفكار والقناعات والأفعال والإنجازات الإيجابية والناس... كما يكلِّل بالنجاح أعمالك لتحصد نتائج هي في الأصل ثمرة لشجرة عميقة الجذور كانت بذورها طيبة تمت رعايتها وسقايتها في تربة التفكير الإيجابي، فإذا أردت أن تركب قطار الإيجابية فأول ما يجب تغييره هو الأسلوب، فالأساليب الصحيحة تُنتج أفعالاً صحيحة، والأسلوب الإيجابي ليس محطة نركن إليها لنرتاح فيها من عناء السفر ثم نعود، ولكن هو أسلوب حياة.
كن إيجابياً وأقبل على الحياة
أنت وحدك من يحدد لون منظاره: فهل ترى من الكوب نصفه الفارغ أم الممتلئ؟ ركز على الأمور الجيدة من حولك بحيث تبدو الأمور السيئة صغيرة، لا تبالغ في إبراز العيوب، وتوجه إلى الجانب المشرق والمضيء في كل موقف سلبي، وابحث عن الجوانب المفيدة في كل مشكلة، واستخلص النتائج الإيجابية من كل معضلة، انظر للمواقف من زوايا إيجابية متعددة، غيِّر نظرتك السلبية وحوِّل المشاعر السلبية إلى أخرى إيجابية.
يا من ترى أنّ الحياة تسير في غير صالحك، وتعاكسك الظروف، وتحيط بك المشاكل من كل اتجاه؛ فكِّر إيجابياً وابدأ بنفسك، فالتغيير يأتي من الداخل، وابدأ بالحب لما تعمل، ولمن تعمل، وأحبب مَن حولك، وعبِّر عنه بكل ما تملك من مشاعر وأحاسيس مخلصة وَدودة لوالديك ولإخوانك ولزملائك ولمدرِّسيك ولأصدقائك... والتمس لهم الأعذار، وضع نفسك في مكانهم، وحاول أن تفهمهم ليفهموك؛ فمدرِّسك يرغب في أن تبذل جهداً أكبر، وتكون دائماً الأفضل، وزملاؤك يوَدّون أن تشاركهم لَعِبَهم، ومرحهم، وأصدقاؤك يتوقّعون أن تعبِّر عن حبك لهم، وأن تحرص على صداقتهم، والناس يريدون أن تفهمهم وتتفهم مواقفهم، وهناك دائماً طرق أفضل للإنجاز بصورة إيجابية، فحاول أن تجدها، وأدعوك لنقود معاً حملة: «كن إيجابياً وأَقبِل على الحياة»، فالقرار قرارك والاختيار اختيارك، والكرة في ملعبك الآن... فهل تقبل التحدي؟l
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن