نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم ومعنى "والله يعصمك من الناس"
1- ورد في القرآن الكريم: {واللّه يعصمكَ من الناس}: هل العصمة تقتصر على حياة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ أم أن الله سيعصمه حتى بعد مماته؟
2- بالنسبة لمواجهة الإساءات إلى الرسول صلى الله عليه وسلم: إلى أيّ مدى سلاح المقاطعة مفيد، مع العلم أن هؤلاء المستهزئين قد يلجأون فيما بعد إلى إيجاد الوسائل الكفيلة لتصريف منتجاتهم؟ وهل هناك وسائل أخرى لتأديب هؤلاء المستهزئين؟ وماذا يتوجب علينا القيام به إلى جانب سلاح المقاطعة إزاء هؤلاء؟
عصمةُ الرسول صلى الله عليه وسلم
بالنسبة للسؤال الأول: يتوقف الجواب على معرفة معنى (العِصْمة) في قول الله: {والله يعصمكَ من الناس} - الآية 76 من سورة المائدة - حيث جاء هذا التطمين من الله سبحانه وتعالى لرسوله على إثر تكليفه بتبليغ ما أُنزل إليه كلِّه وأنْ لا يُخفي منه شيئاً مخافةً من أحد، فتمام الآية: {يا أيها الرسولُ بَلِّغ ما أُنزل إليك من ربِّك فإن لم تفعلْ فما بَلّغتَ رسالته والله يعصمك من الناس، إنّ الله لا يهدي القوم الكافرين}، فالله سبحانه وتعالى يأمر رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بتبليغ الكافرين ما أنزله الله عليه وأن لا يخشى منهم وأنه سبحانه عاصِمُهُ من الناس.
فالعصمة هنا معناها المنع من القتل خصوصاً، لا من جميع أنواع الأذى كما قرّره العلاّمة الإمام الشيخ زكريا الأنصاري رحمه الله في كتابه «فتح الرحمن بكشف ما يلتبس من القرآن»: ص 601.
وقال الإمام المفسِّر ابن الجَوْزي رحمه الله في تفسيره «زاد المسير»/ 2: 793 عند هذه الآية: فإن قيل: فأين ضمان العِصمة وقد شُجّ جبينُه وكُسِرَت رَبَاعِيَتُه وبولغ في أذاه؟ فعنه جوابان:
أحدهما: أنه عَصَمه من القتل والأسر وتَلَفِ الجُملة، فأما عوارِضُ الأذى فلا تمنع عصمةَ الجُملة.
والثاني: أن هذه الآية نزلتْ بعدما جرى عليه ذلك لأن «المائدة» من أواخر ما نزل.
وبناءً على ما تقدم فإن العصمة بالمعنى المذكور تكون في حياته صلى الله عليه وسلم. والله أعلم.
المقاطعة واجبٌ شرعيّ
l وأما جواب السؤال الثاني: فينبغي أن يُعلم أولاً أن سلاح المقاطعة لبضائع الدول التي تؤيد حكوماتُها الإساءات للنبي صلى الله عليه وسلم ولا تقيم وزناً لمشاعر المسلمين وتتحدّاهم فــي دينهـــم: واجـــبٌ شـرعــي وتعـبـيـر عـــن استنكارنا لهذا المنكر الفظيع والتصرُّف المُشين المنبئ عن انحطاط خُلُقي ونفوس قذرة، عَكْس الصورة التي طالما رُوِّجت عن أخلاق القوم ورُقيِّهم - وإن كنتُ أؤمن بما علّمنا إياه القرآن من أنهم {ليسوا سواءً}، وأنّ {منهم أمة مقتصدة} من قَبيل إنصافهم وعدم تعميم الحكم عليهم - خاصة اللادينيين منهم فهم الذين يبوءون بإثم ما اقترفته أيديهم ورَضِيته نفوسُهم وبرّرته ألسنتهم وأقلامهم بأن ذلك من قبيل تأكيدهم على مقدَّس عندهم يسمونه (حرية التعبير)، يريدون من وراء ذلك كما عبّر المحرّر الثقافي لصحيفة (جيلاندس بوستن) الدانمركية «تحدي المحظورات الإسلامية».
فإذا لم يقابل المسلمون ذلك بأقل ما يجب عليهم تعبيراً عن الاستنكار والغَيْرة على الرسول صلى الله عليه وسلم والانتصار لكرامته: بالاحتجاج بكل الطرق الشرعية الممكنة وبمقاطعة بضائعهم وسائر المعاملات التجارية معهم، فعندئذ على الأمة أربع تكبيرات فقد تُوُدِّع منها!
وأثبتت الوقفة الأولى من شعوب الأمة أن فيها بقيةَ حياة ورصيداً لا يُستهان به من الخير يجب أن يوضعا في الحسبان عند تقويم واقعها وصياغة برنامج خطوات النهوض بها من جديد.
ثم إن سلاح المقاطعة بالإضافة إلى وجوب استعماله شرعاً مفيد وفعّال: مفيد في التأكيد على حضور الأمة وأنها ليست في حالة غيبوبة كاملة، وفي إظهار وحدة مشاعرها ووحدة ارتباطها بمقدسات دينها التي لا خلاف عليها، على الرغم من كل مظاهر التقسيم والتشتيت، وفعّال لأنه سلاح ردع معنوي يجعلهم يحسبون لمرات أخرى ألف حساب.
أمّا إنهم قد يلجؤون من جرّاء خسائر هذه المقاطعة إلى إيجاد وسائل تخفف من أثرها فهذا وارد، والحياة صراع عقول وإرادات، ولا يُلغي احتمالُها ضرورةَ تلمُّس العقل الجَمْعي للمسلمين وسائل مكافئة متجددة: سواءً التي يُقصد منها الضغط ولنسمِّها (وسائل المعاقَبَة)، أو التعريف والتنوير والهداية ولنسمِّها (وسائل الهداية) التي يُقصد منها هداية عقولهم إلى عظمة الرسول صلى الله عليه وسلم ومعرفة قَدْره العظيم وسيرة حياته وسموّ تعاليمه، أو الوسائل التي تَستثمر ردّة فعل الأمة لتحصينها وإيقاظ وَعْيها وتجديد حيويّتها وعلى رأسها التأكيد على وجوب (مقاطعة قِيَم الغرب وثقافته) وتربية المسلمين على ذلك وتأصيل أهمية هذا اللون من المقاطعة بالأدلة الشرعية والضرورة الحضارية، منبّهين إلى أن ذلك لا يتنافى مع الاستفادة من المعارف الكونية والمبتكرات التكنولوجية التي سبقونا في هذه الدورة الحضارية من عمر البشرية إليها، للأسف الشديد، مع أننا أحقّ بها وأهلُها لو أننا نطبق تعاليم إسلامنا كما أمرنا ربُّنا وعلّمنا رسولنا صلى الله عليه وسلم. والله أعلم.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن