لئلا يفلت العقال!
يسعيان سعيهما للارتباط.. يكونان فاكهة المجالس.. ويخترعان أحاديث صباح مساء ليسمع كلّ منهما صوت حبيبه ولو عبر أسلاك تقرّب البعيد.. ويحاولان جهدهما أسر النبض واحتواء القلب.. ويهرولان لضمّ الروح وزيادة رصيد المشاعر عند الطرف الآخر من علاقة جمعتهما باسم الله جل وعلا لتكون ميثاقاً غليظاً..
وتمضي الأيام.. وتخفت اللهفة.. ويضيع الاهتمام في أزقّة الحياة وضغوطاتها.. ويرفع كل طرف الراية البيضاء في ساحة الشغف.. فقد اطمأنّ أن (الآخر) له.. وقد أحكم الخناق عليه بشهادة (زواج) جعلته له.. وانتهت معركة السعي الحثيث للفت النظر، واستئثار الحديث، والحلم باللقاء، والتباري بالاهتمام!
أحد الأسباب الرئيسة لانخفاض حرارة التعاطي بين الزوجين هو الشعور بالأمان بأن الآخر أصبح في (جيبه).. فالزواج أعطاه صك (حيازة) الآخر.. وأصبح من المسلّمات استمرار العلاقة وبقاء الزوجين إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً..
والحقيقة أن الأمر على غير هذا النحو.. ومعذرة ممن يفكرون بهذه الطريقة فـ (المعركة) لم تنتهِ! وستبقى تدور حتى يضمّ القبر الجسد.. وهنا يطرح سؤال نفسه: أليس أهم من البقاء معاً نوعيةُ الحياة الزوجية التي نحيا؟!
من الأهمية بمكان أن يبقى كل طرف في هذه العلاقة الزوجية يغذّي أوار المشاعر بالاحترام والاهتمام.. لتستمر هذه الصِلة على أفضل ما يكون فلا تهزّها عواصف المشاكل ولا أعاصير الأزمات.. فيجب على الزوج مراعاة مشاعر زوجته، ويجب عليها الحفاظ على قدر زوجها ليشعر كلاهما بالأمان والاطمئنان.. ولا يكون الشعور بأن هذا الزواج مقبرة قلبيهما.. تخنقهما ولا بُدَّ أن يبقيا فيها لأن سُنّة الكون أن يكون القبر مآل الأموات!
لا بُدَّ أن نعي خطر لامبالاتنا تجاه من نحب لأننا اطمأننّا أنهم لنا.. بينما القلوب تتقلّب وتُنذِر بفضّ الارتباط روحياً أو فعلياً.. والتحلّي بالذكاء العاطفي والحكمة والرغبة في الحفاظ على مشاعر وكينونة (الآخر) يجب أن تُراعى. والجدير بالذكر أن حسن النيّة هنا في اللامبالاة لا يُعتدّ به.. والرسالة التي ستصل للطرف الآخر في العلاقة أنّك (مهمّش) وأنّ مَن أهتم بهم الآن هم أولوية لي.. وأنت (تحصيل حاصل).. فيبدأ بفَقد الثقة بنفسه وبك.. ويُعيد حساباته في هذه العلاقة ليترجم ذلك إمّا مشاعرُ سلبيةٌ وسلوك يصدم (الآخر) لأنه يشعِره بالعدوانية.. وإمّا بُعد يتبعه بُعدٌ حتى تكبر الهوّة بينكما ويصبح من الصعب ردمها.. ويصبح التوافق الزوجي ضرباً من النسيان!
تنبّهي أيتها الزوجة.. فعملك أو دعوتك أو حتى أولادك ينبغي أن لا يُشغِلوك عن دورك كزوجة مُحِبّة داعمة لزوجها فيكونوا (الأهم) في جلساتكم وأوقاتكم.. ولا تُظهري لزوجك أنه لا يحسِن التصرف، ولو بنظرة ساخرة من العين!
وتنبّه أيها الزوج فزوجتك بحاجة لأن تشعر بأنها (مهمّة) في جلساتك مع العائلة أو الأصدقاء.. فإن تكلّمَتْ فاسمع، وردّ عليها بالثناء إن أحسنَتْ وبالتصحيح بأسلوب راقٍ إن أخطأت.. وإياك أن تسَخِّفَ قدرات زوجتك فتتجاهل طاقاتها وتُثني على آخرين لجذبهم.. (تُكبِّرهم) بتصغيرها ولو عن غير قصد.. فتربح الغريب وتخسر أقرب الناس إليك!
بيتك.. وأسرتك.. وقلبك أحقّ بالاهتمام والمراعاة والسقاية.. وصية لنعِيها.. ونعمل لها.. فوق الاستطاعة!
وترفّقاً.. لئلاّ يفلت العقال!!
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن