الإنسان... آخر الاهتمامات!
"رأيتُ أولادي اليتامى يموتون واحداً بعد الآخر ولم أستطع مساعدتهم..."!*
لم يكن ما تقدم مشهداً من فيلم درامي حزين... إنه عيِّنة من قصة حقيقية تحدث كل يوم في جزء من هذا العالم... قصة تحكي مصيبة بتول حسن؛ المرأة الصومالية التي فقدت خمسة من أبنائها الثمانية بسبب الجوع والمرض وهي في طريق رحلتها هرباً من المجاعة!!! عبد الله وحسن ومحمود وفارح ويوسف، أطفالها الخمسة الذين عاشوا أيتاماً وماتوا جائعين... تاركين أمّاً ثَكْلى تجتهد في إنقاذ من بقي لها من أبناء...
أجل، ففي الصومال معاناة إنسانية كبرى تلخص حكاية ظلم الإنسان للإنسان، وتدلل على نتيجة من نتائج البُعد عن تطبيق منهج الله.
فالمجاعة تهدد ما يزيد على 12 مليون إنسان، وتحصد أرواح 65 طفلاً يومياً في مخيمات اللاجئين. ويبلغ عدد الأطفال المهدّدين بخطر الموت في القرن الإفريقي 720 ألف نسمة! ويحتاج هذا البلد إلى 1,6 مليار $ ولا يجد من المجتمع الدولي ولا من حكومات البلاد الإسلامية إلا الوعود... في حين كان بالإمكان تفاديها منذ سنوات؛ فقد أصدرت منظمة الزراعة والأغذية (الفاو) في عام 2006م تقريراً يحذر من مجاعة متوقعة في القرن الإفريقي ستؤثر سلبياً على 120 مليون نسمة.
ويُترك هؤلاء المسلمون لتتحكم مؤسسات الإغاثة الدولية بمصائرهم، ولتعبث بمقدرات وخيرات بلادهم، ولتعمل على قَوْلبة عقولهم وأفكارهم لتحويلهم عن دينهم...
يحدث كل ذلك في الوقت الذي تغرق فيه قطاعات واسعة من المسلمين في ثرائها، وتتنقل بين الأطباء لمعالجة آثار الترف والتخمة!!
وكذلك يحدث في الوقت الذي تُراق فيه أموال هؤلاء المسلمين على الفنادق الأسطورية، واللاعبين الأسطوريين، و... حيث تتراوح تكلفة الإقامة في أحد الفنادق العربية ما بين 700 $ و25 ألف دولار لليلة الواحدة!! وهو أكبر منتجع في العالم تم تدشينه منذ بضع سنوات في احتفالٍ بلغت كلفته أكثر من 20 مليون دولار!! في حين بلغت تكلفة إنشائه 1,5 مليار دولار.
وفي إحدى الدول العربية أيضاً اشترت مجموعة (...) للاستثمار: اللاعب الفرنسي إريس سان جيرمان واللاعب الدولي الأرجنتيني خافيير باستوري مقابل 43 مليون يورو، أي 63 مليون دولار! بحسب ما أوردت وكالة (أنسا) الإيطالية الشهر قبل الماضي.
عجباً كيف تستقيم الصورتان في عصرٍ واحد؟ وكيف يدّعي العالم "المتحضر" حرصه على حقوق الإنسان ومعها حقوق الحيوان ثم يغيب عنه وضع السياسات التي تحمي كل فرد من خطر الجوع والعطش... ليس مِنة وإنما حقٌ أصيل واجب كَفِله خالق هذا الكون يُنتزع بالسلاح عندما يصل الأمر حدَّ الضرر...
أما مَن فَهِم طبيعة المنهج الإسلامي، وحَرَص على تطبيقه... فحاله وممارساته تختلف عن أفهام وممارسات كل المُدّعين...
"انثروا القمح على رؤوس الجبال لكي لا يُقال جاع طيرٌ في بلاد المسلمين".
عبارة تجسِّد مدرسة... عبارة تلخص سياسة وفكراً ومنهجاً... عبارة تدلِّل على مستوى من الرُّقيّ الإنساني لم يُبلَغْ إلا في عصور الخير والنور...
قالها الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز... ومن قبله قال جدُّه لأمه الفاروق عمر بن الخطاب: "لو أن دابة عثرت في العراق لسألني الله عنها لِمَ لمْ تسوِّ لها الطريق يا عمر؟".
مفارقة عجيبة بين عصر الدابة وعصر الذَّرة...
الأول قد خاف على طيرٍ من الجوع، وهذا يدلِّل على أنه ما جاع في عهده إنسان في بلاد المسلمين.
أما الثاني فقد خشي على الدابة من التعثر حتى لا يسأله الله عنها، مما يدلِّل على أن طريق الإنسان قد كانت معبدة للسالكين.
عمر الذي خطب في الناس عندما وَلي الخلافة فكان مما قال: "يا أيها الناس، من أطاع الله وجبت طاعته، ومن عصى الله فلا طاعة له. أطيعوني ما أطعت الله، فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم". وحينها علّق القاسم بن محمد بن أبي بكر الصدّيق قــــــــــــــائلاً: "اليوم ينطق كل من كان لا ينطق، إذا لم يخالف الشرع".
ومن قبله جدّه الفــــــــــــــــــاروق الذي خطب في الناس بحضور الولاة ليعرِّفهم ما لهم وما عليهم قائلاً: "إني لم أستعمل عليكم عمالي ليضربوا أبشاركم، ويشتموا أعراضكم، ويأخذوا أموالكم... ولكن استعملتهم ليعلِّموكم كتاب ربكم وسُنة نبيكم صلى الله عليه وسلم، فمَن ظلمه عامله بمظلمة فلا إذن له عليّ يرفعها إليّ حتى أقص منه".
- أما اليوم... ففي بلاد المسلمين مات الإنسان جوعاً وظلماً وقهراً...
- وفي بلاد المسلمين دجّنوا الإنسان واستوطنوا فكره وأزهقوا أخلاقه حتى لا يفكر إلا في لقمة عيشه...
- وفيها سياسات لتجويع الإنسان وتحويله إلى متسوّل يستجدي ويستعطف لكي يبقى على قيد الحياة... وأخرى لتجهيل الإنسان وتفريغه من مضمونه...
- في بلاد المسلمين يتعثر الإنسان وينزلق في الحفر، ويغرق في مواسم الشتاء لأن الحكومات ليس لديها الوقت لكي تعبّد الطرق. أذكر عندما كنت طفلة أن جاراً لنا انزلق في إحدى الحفر وسبح في المجاري تحت الأرض ليخرج من فتحة أخرى في منطقة أخرى قريبة! وقد أُدخل المستشفى وبقي فيها شهراً ثم تعافى وعاش بعدها ما هو مقدر له!!
- في بلاد المسلمين زنازين لا تصلح حتى لعيش البهائم...
- وفيها يُعذّب الإنسان حتى الموت، ويُمثَّل به حياً لأنه يطالب بحقوقه، وينادي بحريته، ولأنه يريد أن يختار غير الذي يحكمه...
- في بلاد المسلمين تُنتهك الأعراض وتُهدر الكرامات ويُسلب المواطن أمنه واستقراره ويجرَّد من حقوقه...
هذا هو حال الإنسان في كثير من بلاد المسلمين...
وأنت يا عمر تخشى على الطير من الجوع؟ وتخشى على الدابة من التعثر؟ فأي حضارة صنعتموها وأي مراقي ارتقيتموها في ظل المنهج الإسلامي الذي كَفل حقوق الإنسان الفكرية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية؟!
حقاً إنها مفارقة عجيبة بين حال الإنسان في زمانكم وما نَعِم به من كرامة وحرية، وحال الإنسان في زماننا... ومفارقة أعجب بينكم وبين حكامنا اليوم الذين لم يفهموا الحكم سوى كرسي مدى الحياة، وسرقة أموال الشعوب، وهدر خيرات البلاد، وعمالة لأعداء الإسلام لتثبيت أركان الحكم وضمان استمراريته.
ألا فسُحقاً لمجتمع "دولي" يموت إنسان واحد جوعاً في ظل حكمه، وبُعداً لحكام أذاقوا شعوبهم الويلات وساموهم سوء العذاب.
* من موقع الجزيرة نت.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن