استئجار عارضات (أزياء المرأة المسلمة)
سألني أحد الإخوة التجّار عن حكم استئجار عارضات أزياء غير مسلمات في معارض الأزياء لعرض الجلابيب وغيرها من الألبسة التي تَلْبسها بعض المسلمات غير الجلابيب، وذلك للدعاية للباس المحتشم والجلباب الشرعي ليس في أوساط النساء فقط ولكن بحضور تجّار الألبسة أيضاً.
بعد التأمل وتقليب وجهات النظر في هذا الموضوع وهو استئجار عارضات أزياء غير مسلمات لعرض الجلابيب وغيرها من الملابس المحتشمة على مرأى من النساء والرجال فقد توصّلت إلى أنه حرام لاشتماله على عدة مفاسد، بالإضافة إلى أنه يُفضي مع الوقت إلى مفسدة أكبر وهي قيام المسلمات بهذا العرض، فيكون التاجر المسلم قد وقع في الإثم حالاً وأخذ إثم تشجيع أولئك المسلمات مآلاً، وقد نصّ الأئمة ـ منهم الإمام الكبير أبو إسحاق الشاطبي ـ في أكثر من موضع في "الموافقات" على ضرورة النظر في مآلات الأمور فما أدى إلى حرام فهو حرام.
أما أدلة الحرمة الآنية فهي:
1. قول الله تعالى: (ولا تبرّجن تبرّج الجاهلية الأولى) وتبرّج الجاهلية لا يقتصر على إظهار المحاسن والعورات وإنما أيضاً كما قال الإمام التابعيّ مجاهد بن جَبْر: كانت المرأة تخرج تمشي بين الرجال فذلك تبرُّج الجاهلية. يريد ـ والله أعلم ـ أنها تقصد بمشيتها بينهم لَفْت أنظارهم، وقد جاء هذا المعنى واضحاً في تفسير الإمام قَتَادَة بن دِعامة: كانت لهنّ مِشيةُ تكسُّرٍ وتغنُّج فنهى الله عن ذلك.
ومعلوم أن العارضة ولو كانت كافرة تُختار من ذوات القامة الممشوقة والجمال اللافت والقِدّ المتناسق والمِشية المتغنّجة وبالتالي فإنّ مِشْيتها على مرأى من الرجال تكون من التبرّج المنهيّ عنه.
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى الصحابيات العفيفات بعدما خرجن من المسجد قد اختلط بهن الرجال في الطريق وقد خرجوا على إثرهنّ نادى صلى الله عليه وسلم : "يا معشر النساء ليس لكُنّ أن تحقُقْنَ الطريق ـ بمعنى: تمشين في حُقّها وهو وسطها ـ عليكنّ بحافّات الطرق" رواه أبو داود وصحّحه ابن حِبّان، فما بالُنا بعارضات الأزياء مع ما فيهنّ من الفتنة والتغنُّج؟
2. قول الله تعالى: (قل للمؤمنين يغضّوا من أبصارهم) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "النظرة الأولى لك والنظرة الثانية عليك"، وأدار وجه الفضل رضي الله عنه لما رآه ينظر إلى الخَثْعَمِيّة التي جاءت تسأله في الحج ثم قال: "رأيتُ شابّاً وشابّةً فلم آمن الشيطانَ عليهما" والحديثان صحيحان، فيُستفاد من ذلك أن القيام بهذا العرض حيث العارضات يعرِضْنَ الجلابيب وغيرها على مرأى الرجال وهم ينظرون إليهنّ منهيٌّ عنه ومفضٍ إلى تعلُّق قلوب الرجال بهنّ وربما افتتان بعضهم ببعضهن.
أما كونُهنّ كافرات فلا يغيّر الحكم لأن النهي عن النظر إلى المرأة ـ خاصة في مثال عارضات الأزياء ـ يتناول المرأة المسلمة والمرأة الكافرة بل قد تكون المرأة الكافرة أشدّ فتنة من المسلمة لعدم تحرُّجِها ولا حشمتها، والمسلمة المحافِظة الأصل فيها أن لا تقوم بذلك أمام الرجال فضلاً عن المتديّنة.
أما شبهة كونهنّ غير مسلمات وبالتالي هنّ غير ملزمات بأحكام الشرع فتُرَدّ بأن استئجار المسلم لهنّ وطلبه منهن القيام بهذا الأمر حرام عليه هو، هذا من جهة. ومن جهة ثانية من المعلوم أن غير المسلم ـ عند جماهير العلماء ما عدا السادة الحنفية ـ كما أنه يؤاخذ يوم القيامة على ترك الإسلام يؤاخذ أيضاً على ترك أحكامه، وهو في الدنيا مطالب ـ ديانة ـ بالدخول في الإسلام ومن ثمّ الالتزام بأحكامه. وهي المسألة المشهورة بين الأصوليين والفقهاء بمسألة (مخاطبة الكفّار بفروع الشريعة). ومن أقوى أدلة الجمهور قول الله تعالى فيما يُجيب به الكُفّار عندما يُسألون وهم في النار: (ما سلككم في سَقَر؟ قالوا: لمْ نَكُ مِنَ المصلّين ولمْ نَكُ نُطعمُ المسْكين وكنّا نخوض مع الخائضين وكنّا نكذّب بيوم الدين).
ثم كما ذكرت إذا شاع الأمر قد يُغري بعض المسلمات المتديّنات بامتهان هذه المهنة ثم الوقوع في أحابيل الفساد فيكون الواحد قد ساهم في كثير من الإثم.
لذا أرى الامتناع عن ذلك والاقتصار على دعوة النساء والله أعلم.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن