تؤلمني أمي
قالت صديقتي: صورة لجبل؟! لا بد أنك لا تقصدين الجبل، فقد تعلمت منك وحفظتك.
قلت: صحيح، إنه الجبل الأكبر والأعظم، صوّرته في طريقي إلى مكة في رحلة مع البعض، لكني وقتها - وما زلت -لم أره جبلاً، هو أمي وكل أم!
♦ لكن الأم حنونة، والجبل صخري قاس!
• ليس كذلك أبداً، لا أراه إلا حنوناً صابراً مهماً جميلاً شديداً، بل إنه لا ثبات ولا نجاة لكرتنا الأرضية بدونه... وكذا أمهاتنا.
رأيت انحناءه فتذكرت أمي التي انحنى ظهرها لنستقيم، وامتلأ وجهها الجميل خطوطاً لنستوي، وضعف بصرها لنرى الصواب، وورم قلبها لنسعد، وخشنت يداها لتعطينا دون مَنّ أو حساب، ويبست عظامها لتطرّي حياتنا وتخفف عنا أهوالها ومصائبها محتسبة راضية.
تأملت أمي يوماً وهي تسير محنية الظهر تسوق أمامها طعاماً على عربة، قد صحت من الفجر تُعدّه وتطيّبه وتنكهه بنكهات الأمومة والحنان والحب، وتزينه بابتسامتها العذبة، وتقدمه سعيدة راضية..
فقلت: تؤلمينني يا أمي عندما تتعبين، أريدك أن ترتاحي ولا تتعبي!
وأثار ذلك باقي الأخوات، وأضفن على ما قلت الكثير من الخواطر والمشاعر.
فكان مما قلنه:
♦ يا إلهي كم أتوجع عندما أرى أمي باكية تأثراً من كلمة أو ردٍّ غليظ قاله أحدنا
♦ أما أنا فلا أحب صمت أمي لأنه دليل عدم رضاها عن شيء يقال أو يحدث، فتلتزم الصمت تعبيراً حكيماً منها، لكنه لا شك يضغط على قلبها ويوجعه
♦ وما أصعب ما أشعر به عندما تمرض أمي ولا تشتكي إلا بعد أن يشتكي المرض نفسه، أراني أنانية قاسية لا إحساس لديّ، لأنه كان عليّ أن أرى مرضها في عينيها وفي مشيتها وفي صوتها وأنفاسها
♦ ذكّرتُنّني بأمي عندما تحزن لمشكلة عرضت لأحدنا، ذكّرتُنّني بقلقها وعدم نومها وخلوتها ودعائها، ولا أظن أن المشكلة تـولّي أو تخفّ إلا من أجل أمي.
♦ هل تصدّقن إن قلت لكُنّ أني أشفق على أمي حتى عندما تفرح؟ تدمع عيناها وتمسح دموعهما سريعاً، لأنها تظن أنها قد تفسد جو الفرح بدموعها! أتعجب من رقة قلبها عندما يتعلق الأمر بنا نحن الأبناء على وجه الخصوص.
♦ أتألم عندما أغضب أو يغضب أحد إخوتي، فتحزن أمي، لأنها ترى أنها السبب، وأظنها تلوم نفسها في نفسها.
أما أُخرانا فقالت: أما أنا فأتألم لأن أمي غير موجودة، أمي ماتت! ماتت قبل أن أطلب منها السماح لقول غليظ قلته مرة أو مرات، ولتركها تعمل في المطبخ وحدها دون أن أكون يدها اليمنى كل يوم، ولأني لم أُدلّك لها جسمها المنهك دون أن تطلب مني، ولأني أبديت لها حزني وشكوت مشاكلي أياماً وليالي، وكان علي ألاّ أفعل، حتى لا تحزن من أجلي!
ولأنها ماتت دون أن أطلب رضاها كل يوم، نعم كل يوم بمكالمة أو مساعدة أو هدية أو كلمة طيبة أو تدليل، أو كل ذلك
فقدت أمي ولا أدري إن كانت راضية عني أم لا، فقدتها وفقدت حباً من نوع خاص لا تعطيه إلا الأمهات، خسرت النظر إلى وجهها الجميل الحبيب، وخسرت دعاءها وترضّيها عني، ولم أعد أقول: أنا ذاهبة لزيارة أمي.. سأشتري هذا الشيء لأمي.. وكل عام وأنت بخير يا أمي.. نعم خسرت حتى العيد؛ فلا عيد بعدها ولا طعم للأشياء بدونها
سبحان الله يا صديقتي! أيقظت فينا إحساساً نائماً أو ميتاً بنعمة وجود أمهاتنا، فتمنت كلٌّ منا في نفسها أن تلزم رجلَيْ أمها؛ فَثَمَّ الجنة...
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة