في ديار غربتي
... وكانت المفاجأة الأولى: لقد وعدوا زوجي بالعمل في المدينة المنورة (حسب عقدهم معه) وإذ بمسمى المدينة المنورة يعني المدينة النبوية وما حولها من القرى والمدن الصغيرة. وقد عمل زوجي في قرية بدائية جداً تبعد عن المدينة المنورة قرابة ثلاثمائة كيلو متر تقريباً. وهذا يعني أحد أمرين؛ إما أن أعود من حيث أتيت، أو أن نتكيف مع الوضع الجديد، مع الأخذ بعين الاعتبار أن العيش في القرية بالنسبة لي هو ضرب من المستحيل؛ إذ كان الطبيب ينام في مكان عمله مع زملائه! فلم يبق أمامنا سوى حلٍّ واحدٍ، ألا وهو أن أبقى في بيتي في المدينة المنورة وأن يأتي زوجي أسبوعياً لزيارتي. قرار في غاية الصعوبة وقع على رأس عروس في ديار الغربة!
ربما تجرعت المرارة لبضعة أيام كنت خلالها أقوم ببعض الفنون اليدوية بعد قراءتي لكتاب الله يومياً وتحقيق حلمي بالبدء بحفظه ومطالعة تفسيره؛ أذكر أنني قرأت كثيراً في تفسير (في ظلال القرآن) فأصبحت أحلق دون جناحين!!
إنما شعلة حنيني لدياري ومجتمعي النابض لم تنطفئ لحظة، لذا بدأت أراسل طالباتي وزميلاتي وأهلي. ولحظة وصول أي خطاب لي، كنت أشعر بفرحة غامرة فأقرؤه مراتٍ دون أن أروي نهمي... وبدأت أنمق رسائلي وأختار لها أجمل الكلمات والعبارات، وكانت تأتيني الردود. أذكر أن أول مَن اقترح عليّ تنمية ملكاتي الأدبية هي زميلتي معلمة الفيزياء؛ إذ قالت لي: أنت كاتبة قبل أن تكوني معلمة!!
كم أنا مدينة للفراغ الذي كنت أعيشه في (سنة أولى زواج) في ديار غربتي؛ فقد قرأت كثيراً وحفظت كثيراً وتعلمت كثيراً وجربت كثيراً، وتعرفت إلى برامج مفيدة جداً سواء منها المسموع أو المقروء. ولعل زوجي حفظه الله كان يشعر بوحدتي وفراغي حين سفره فيختار لي أفضل المجلات والمطبوعات، وإني لأذكر أنه لم يدخل البيت يوماً إلا وبيده شيء يُقرأ... حتى تكونت لدينا مكتبة عامرة ولله الحمد.
مضت الأيام وأصبحت أنتظر مولودي الأول. كل مَن عَرَفَني حينها اقترح عليّ أن أضع مولودي بين أهلي، أما زوجي فقد ترك لي حرية الاختيار... وأما أنا فقد كان لدي عزم وإصرار على وضعه في (المدينة المنورة)... ويطير بي خيالي وأنا أقرأ.... مسقط رأسه: المدينة المنورة.. فأنتشي وأطير فرحاً.. إذاً هي أيام معاناتي تتبعها فرحة ملازِمة لحياة ولدي، بل لعل في مسقط رأسه ما يميل به إلى سلامة منهاج حياته.. وكم هي التجارب التي يذهب تعبها ويبقى جميل أثرها. بل كم من ضارّة نافعة... والحمد لله الذي يحكم لنا يسراً مع ما نراه عسراً
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن