سعادة لا توصف!
تعلّمت في المدينة المنورة علماً لا تعلمه أرقى الجامعات، أحياناً كنت أخاطب البقعة التي عليها أقف أو هي تخاطبني: هنا وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم .. هنا تنزّل الوحي.. من هنا انطلقت الجيوش الفاتحة.. هنا حُفر الخندق وهنا حصلت معركة أحد العظيمة.. وهذا جبل أحد الراسخ الشامخ!
كم وقفت خاشعة بجوار هذا الجبل العظيم وخاطبته: هنيئاً لك وقفة نبي وصدّيق وشهيد على صخرك الصلب، أتُراك أخذت صلابتك من ثباتهم رضي الله عنهم وأرضاهم؟ أم تغذّت أصولك على دماء سيّد الشهداء فلبثت سنين تحتضن قبور الأحبة الذين استشهدوا بساحتك؟ إيه يا جبل العز والفخار ما أروعك وما أثقلك معنىً قبل الحقيقة!
إن عقلي الصغير لم ولن يعيَ مقولة نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم: «لو كان عندي ملء أُحد ذهباً...» لما مرًّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم سوى ليلتين لينفقهما في سبيل الله. ولعلّ البشرية جمعاء لم تجمع حتى يومنا هذا ملء أُحد ذهباً، وتراهم يتنازعون ويتقاتلون ويتصارعون ويكسبون ذنوباً كأنها الجبال من أجل جرامات من الذهب توزن بميزان حساس!!
وكلما وقفت بجوار قبره الشريف صلى الله عليه وسلم كانت تنتابني قشعريرة تهز كياني.
هنا يرقد أكرم خلق الله على الله وأنا الأَمَة الضعيفة أكرّم لوقفتي بين يدي الكرام، وأكرر شهادتي أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وصاحبيه الكريمين قد أدّيا الأمانة وبلّغا الرسالة حتى وصلتنا نحن، كي نعي ونعمل ونجتهد وننهض.
لعلي في المدينة لم أشعر يوماً بعبثية الحياة ودقائقها المعدودات. فشجرها وحجرها وأزقّتها كلها تخاطبني خطاباً يزلزل الكيان.
ربما أسرتني المدينة ومن فيها وما فيها وأنا في السنة الأولى من زواجي، هذه السنة الحرجة في حياة أي إنسان. لكن من أسس فيها بنيانه على التقوى لن يضيعه الله وإن بدا في الظاهر أنه لا يملك الكثير من حطام الدنيا!!
وهكذا بدأنا حياتنا في بيت بسيط فيه من الأثاث كل ما هو ضروري وضروري فقط، متعاليَيْن على متطلّبات ما يسمى «النفاق الاجتماعي» مما كان يثير حفيظة بعض الزائرات، إذ كيف تعيش ابنتنا في بيت متواضع؟!
ولم أكن لأستبدله بقصور الدنيا، كيف وأنا أسعد الناس بجوار الحبيب صلى الله عليه وسلم وبيني وبين زوجي رحمة ومودة وألفة ومحبة تشعرني بأني أملك العالم بأسره؟!! فريش الحياة مهما تلون وتعدد لا يمكنه إسعاد اثنين غير منسجمين أبداً، بل ربما يسبب الحرص على الشكليات إشكالات يصعب حلها.
طبعاً كان يحدث بيننا بعض خلاف نظراً لاختلاف بيئاتنا؛ فتعاهدنا أولاً أن لا نذيع أي اختلاف في وجهات النظر لأيٍ من الناس ولو كانوا أقرب المقربين.
وتعاهدنا أن نكون زوجين وصديقين من أجل أن نترع من السعادة كؤوساً.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن