اطرحوه أرضاً!..
هل تعرّضت يوماً لنقدٍ كاللسع؟! كيف تصرّفت حياله؟ وما هي الأحاسيس التي انتابتك حينها؟ هل غصصت بريقك؟ هل أحبطك النقد فأقعدك عن الحركة؟ أم تحدّيته لترقى بنفسك أكثر وتطوّر عملك فتكون بذلك قد استخدمته بطريقة ايجابية؟! أسئلة كثيرة تدور في فلك النقد حين نتعرض له جميعاً.. وشكوك تسري حول ردة الفعل التي تصدر منا وطريقة ادارتنا لمشاعرنا في هذا السياق..
ولنكن واقعيين دون محاولة الولوج من أبواب الترف الفكري أو الكلام المنمّق والكتابات المثلى لِما يجب أن يكون والذي يكون عادة غير ما هو كائن.. فإنّ مساحة تقبلنا للنقد السلبي في أغلب الأحيان تكون ضيّقة حتى أن مفهوم النقد بحد ذاته مرفوض إلا عند فئتين: الذين أصابهم جنون العظمة فلا يهمّهم مَن خالفهم وانتقدهم أو أولئك الذين بلغوا درجةً عالية من الانسلاخ عن الذات والتواضع الجمّ..
أما بقية الناس فإن لَذَعَهُم الناقد بلسانه وانتقص من عملهم أو تعرّض لشخصهم فهم يقفون أمام أمور عدّة أهمها ربما: مَن هو الشخص الناقد وما الذي يعنيه لهم؟ ثم ما الخلفية التي ينطلق منها في نقده.. هذا بالإضافة إلى طريقة النقد وسياق الكلام والنبرة التي يعرض حروفه بها.. فلربما تحوّل النقد إلى مجرد انتقاد لا يخلو من تجريح وتشويه لشخصهم أو عملهم فحينها لا يمكن أن يستقبلون النقد بصدرٍ رحِب متغاضين عن أسلوب الناقد الوضيع راغبين فقط بالرؤية الايجابية للأمر..
يقول أحدهم بعد أن تعرّض لشخصية معروفة ولَسَعَها بكلامه متطاولاً على شخصها وكتاباتها راداً على مَن واجهوه أنها طريقة غير حضارية في النقد: “دعوا الكتّاب وشأنهم لأن هذه طريقتنا الوحيدة في الحب نعبِّر عنه بكل قسوة نتراشق بالورد والخناجر أيضا.. لأن المبدع الحقيقي انسان غير سوي.. هو نصف طفل ونصف مجنون وليس وضيعاً ولا وغداً ولا يملك غير الحب والمشاعر”.. فللأسف البعض يرى أن من حقه إلقاء الكلام على عواهنه بل والتجريح والتشهير ويُرجِع الأمر لِصِفَة الإبداع والتي يبدو أنها أصبحت رديفة لقلة الذوق الأدبي والإنساني!
وبعض الناس قد يختلفون مع آخرين في وجهة نظر أو تبنّي رؤية غير مناقضة للشرع أو العرف ويكون مجرد هذا الاختلاف دافعاً لهم للثلب والتجريح وبذلك يفتقدون إلى العدالة والموضوعية في نقدهم الذي يكون صفعة على وجه المنتَقَد..
ثم ماذا تكون النتيجة؟ بغضاء وشحناء وقلوب مفرّقة.. والأصل أن يكون النقد بأسلوب راقٍ وبذكاء يجعل المتلقّي له أقدر على الاستماع له والعمل بمضمونه.. فمطلَق إنسان يودّ أن يُثنى عليه بما فيه من مميزات أو بما يقوم به ويرى نتيجة عمله جزاءا معجّلا فحين يُهدَم كل ما بناه من ناقدٍ فظ يتحسّر في نفسه على ما قدّم مرتين: إحداهما أنه لم يكن على مستوى العمل وثانيهما أنه انتُقِص من قدره بنقد مباشر جارح.. ولذلك كان النقد في العلن كالفضيحة التي تؤثِّر سلباً على تقبل النقد.. ولو أن العاقل يأخذ بالنصيحة لتجويد عمله وتطوير ذاته متغاضياً عن الإساءة التي حصلت متطلّعاً إلى الهدف الأساس من الكلام.. وبذلك يجب على المنتَقَد أن يتمتّع بالحِلم والأناة والصبر على الأذى ويحتسب أمره وما قيل عنه عند الله جل وعلا حتى لا يكون في قلبه غلٌّ على أحد..
أمّا أن يكون دافع الناقد الحسد وتحطيم الآخرين وإظهار عيوبهم فقط فهذا لن يُسمَع له ومع الوقت يصبِح معروفاً فلا يُلتَفَت لكلامه ولا يؤخذ به.. فالبُعد عن التجريح الشخصي وعدم الغلو في تضخيم الأخطاء وتحقير الأعمال والأشخاص هم أسس لا بد من أخذها بعين الاعتبار في عملية النقد..
ونقطة مهمة لا بد من إثارتها هنا أنه أحياناً يجب أخذ الاختلاف البيئي والاجتماعي والفكري بين الناس بعين الإعتبار فلربما عاب أحدٌ عملاً ما قد يجده آخرون قمّة في الروعة ولذلك وجب على كلِّ أحَد أن يتقبّل وجهات نظر الآخرين ويحاول فهم آراءهم ودوافعهم فيما يقولون أو يفعلون وإن أراد بعدها إبداء رأيه الشخصي السلبي فليكن ذلك ضمن الضوابط الأخلاقية والأدبية الرفيعة بعيداً عن الإنفعال واللمز.. وأن لا يكون النقد لمجرد النقد فقط!
وأخيراً.. النقد مطلوب لتلافي الأخطاء وتصحيح المسار والارتقاء بالعمل والذات على أن يكون بقَدَر، وبأسلوب موضوعي ليؤتي ثماره ولا يكون وبالاً على قائله وسامعه معاً!
وشخصياً لا أقتنع بما يسمّى بالنقد البنّاء الذي يحطّمني فيه الآخر بدعوى التصحيح والتطوير وحرية إبداء الرأي.. فكثير من الناس في هذا الزمن الذي انقلبت فيه موازين كل شيء يتخفّى وراء مسمّيات مطاطة لغايات في نفوس مريضة!
أمّا إن شعرتُ أن المنتقِد يخاف عليّ ويهمّه أمري فلا يسعني إلا أن أدعو الله تعالى له حين يهديني عيوبي بطريقة سلِسة لا تؤذي مشاعري فتكون لنصيحته النابعة من قلبٍ مشفقٍ عليّ الوقع الايجابي والنافع في نفسي..
ويبقى لحسن الظن مكان.. والله مطَّلِع على الأفئدة وهو أعلم بما تُخفي الصدور..
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة