الرجل قنوع
أكثر الشباب - اليوم - يشعرون بالنقص والحرمان لضيق ذات اليد، فالتفاخر والاهتمام بالحياة الدنيا وزينتها - من ساعاتٍ وجوالات وملابس وسيارات - والانشغالُ بهذه المظاهر: أضحى سِمَةَ العصر، وعقدةُ "النقص" هذه خطيرة، وطالما ساقت الشبابَ إلى الحرام، وجعلتهم ينتقلون من الرشوة، إلى الاستدانة، إلى التعامل بالربا؛ ليتمتَّعوا ويَحصلوا على كل ما يريدون.
فانتبِهي من هذه الأفكار، وإلا تسلَّلتْ إلى ابنك على غفلة منك (بسبب العولمة وضغوط المجتمع)، وراقِبيه مِن الصِّغَر، وساعديه على اختيار أصدقائه، واجعليهم من بيئتك وعالمك، وفي حالة مادية مشابهة لحالتك، وإذا كان أقرباؤك أفضل منكم ماديًّا، فقلِّلي من مخالطتهم، وأبعِدي ابنك عنهم مدة من الزمن (حتى يشتدَّ عُوده ويتفهم)، فلا ينظر لمن أعلى منه ولا يعاشرهم، وابحَثي عمن يناسبه من فئات المجتمع؛ ليرى نفسه عاديًّا بينهم ولا يشعر بالنقص.
لا شيء يؤثِّر في صغارنا كالكلام، وسماعهم لقصصنا وتعليقاتنا يكوِّن قناعاتهم، فتحدَّثي معهم مباشرة، أو تحدَّثي مع زوجك (على مسمع منهم) بنعم الله عليكم (كونه رزقكم بيتًا ومعاشًا تُنفقون منه، وأولادًا تفخرون بهم، واذكري ما حدث لفلان وفلان من الناس من نقص في الثمرات والأرزاق والأنفس، وما أصابهم من حروق وجروح، وقارنيها بالنواحي الإيجابية التي تتمتَّعون بها في بيتكم، وقولي: "الحمد لله؛ فنحن أحسن حالاً من كثيرين"؛ لعله يَرضى، وإذا سمعتِ الأخبار نادي صغيرك ليُشاهد معك الكوارث التي حاقت بالآخرين من فيضانات وتشريد وأمراض خطيرة وفقْد للأطراف، ولا بأس أن تَذكري له نقائص الناس (الذين يتمنى ما لديهم)؛ ليشكر الله، وليعلم أنه يوزِّع نعمه بين الناس، والغنيُّ معه المال وتَنقصه نِعَمٌ ثمينة، وكل فرد لديه شيء مميز وتَنقصه أشياء حلوة، وهكذا الدنيا؛ لأنها "امتحان".
وربِّيه على الاستمتاع بما بين يديه، وعوِّديه على الحرمان - ولو كنت موسِرة - فالنِّعم لا تدوم، وليتعود أكل الخبز بلا إدام، والنوم على السجادة، وليمشِ على رجليه مسافات طويلة بلا سيارة، وليلبس الرخيص، فيتعود على كل حال؛ فإذا افتقر رَضي، وإن اغتنى لم يبطر ولم يبذخ.
والرجل لا يبحث عن المسكن الأحسن والمركب الأجمل، ولا يمد عينه لما متَّع الله به غيره، ولكنه يسعى ويعمل ويجدُّ، فإن أعطاه الله المال ظل معتدلاً في لباسه وبيته؛ لأنه يعلم أن الدنيا عبث ولهو ومتاع زائل، فيأخذ منها بقدر حاجته.
وبعض الأبناء لا يَقنعون، (فإن وجدت ابنك هكذا) فعليك بتنمية قدراته المعنوية لينجح ويبدع في أي مجال، وعليك بتنمية ثقته بنفسه، ولعله (إذا لقي التقدير والاحترام) ينسى المال، وقد يدرك أن الناس يختلفون، ومنهم من ينجح في العمل ويجني المال الوفير، ومنهم من يصبح أديبًا أو شاعرًا أو مؤلفًا فيشتهر ويُصبح ذا شأن، وقد يبقى فقيرًا! والإنجاز هو الذي يرفع المرء أو يضعه، وكثيرًا ما يجلب النجاح المال، فيحظى المرء بالمال والنجاح معًا.وإذا سخط ابنك على بشاعة في خَلْقه (قصره، أو اعوجاج أنفه)، فهذه مشكلة حقيقة؛ لأن الإناث تهتمُّ بالشكل، والذَّكَر يهتم بالصفات التي تؤهله ليكون رجلاً، وإذا وصل به المقام إلى الاهتمام بالصفات الخَلْقية الخارجة عن الإرادة، فهذه مصيبة، ومصيبة خطيرة، وعلاجها صعب وطويل
والخلاصة: "المال يذهب ويأتي، ويزيد وينقص"، فلا يُقَوَّم الرجل بما يملك، ويُقوَّم بجدِّه ونشاطه وفاعليته في المجتمع، وهذا ما يُعطي الرجل صفة "الرجولة" أو يمنعها عنه.
ونحن - بكلامنا عن القناعة - لا نريد كبتَ أحلام أبنائنا؛ وإنما تهذيبهم وإبعادهم عن الشَّرَهِ والطمع، وإعلامهم بحال الدنيا المتقلِّبة وتنقُّلِ المرء بين الفَقر والغنى، وتعليمهم كيف يتصرفون وماذا يعتنقون في كلا الحالين؛ ليكون كل منهم متوازنًا طبيعيًّا، لا شهوانيًّا طماعًا.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن