المجتمع الدولي يتجهز لما بعد 2015.. فماذا نحن فاعلون..
بقلم: كاميليا حلمي
تعمل هيئة الأمم المتحدة على فرض نموذج اجتماعي موحّد على شعوب الأرض بأكملها، ذلك النموذج الذي أثبت فشله في تسيير حياة مجتمعات اتبعته عقوداً طويلة فتهدمت لديها المنظومة القيمية والأخلاقية والأسرية والمجتمعية، فباتت تسير نحو الهاوية بخطىً متسارعة. وبرغم الضغوط الدولية الرهيبة التي تمارسها الأمم المتحدة، وبرغم ملايين الدولارات التي تنفقها من خلال صناديقها[1] المختلفة التي أسستها لتمويل برامج تخص المرأة والطفل والسكان والتي من شأنها إعادة تشكيل المنظومة الثقافية والمجتمعية لشعوب العالم، وقولبتها وفقاً للنموذج الذي أعدته الأمم المتحدة لها؛ إلا أن كثيراً من الشعوب، على ضعفها، لا زالت تقاوم وتتمسك بأديانها وثقافتها، وقيمها الأصيلة.
وبسلاح «الشرعة الدولية» تسوق الأمم المتحدة العالم لما تريد، من خلال مؤتمرات دولية تعقدها وتدعو جميع الحكومات للمشاركة فيها، ولعل من أشهر تلك المؤتمرات مؤتمر القاهرة للسكان (1994م) International Conference on Population and Development (ICPD)، الذي يمثل بالنسبة لنا نقطة تحول كبيرة، حيث استيقظنا من سبات عميق على لطمة كبيرة، وما كنا لنستيقظ لولا أن ذلك المؤتمر عقد في عاصمة عربية إسلامية كبيرة، مثل القاهرة. وهو ما استهدفته الأمم المتحدة من اختيار القاهرة بالذات، كبلورة لعمل استمر عشرات السنين منذ تأسيس هيئة الأمم المتحدة عام 1946: أن ينطلق من بلد الأزهر الشريف مؤتمر دولي يطالب صراحة بالحريات الجنسية والإجهاض وإقرار حقوق للشواذ جنسياً، حتى وصل الأمر إلى تنظيم مسيرة عالمية ضخمة رتبتها منظمات الشواذ لتجوب شوارع القاهرة، ولم يمنعها إلا إنذار تلقته من جهاز الأمن المصري بعدم تمكنه من حماية المسيرة ضد غضبة الشعب المصري!
وقد صدرت عن ذلك المؤتمر وثيقة عالمية من أخطر الوثائق التي أصدرتها هيئة الأمم المتحدة، وهي «وثيقة القاهرة للسكان (ICPD)»، والتي حددت لها هدفاً واضحاً، وهو خفض معدلات الخصوبة والإنجاب.. متبعة في ذلك وسائل محددة سنتطرق إليها بالتفصيل في مقالات لاحقة.. ولكن نوجزها في التالي:
• رفع سن الزواج، واعتبار الزواج تحت سن الثامنة عشرة[2] (زواجاً مبكراً) «وإتاحة بدائل تغني عن الزواج المبكر، من قبيل توفير فرص التعليم والعمل»[3].
• تقديم خدمات الصحة الإنجابية لكل الأفراد من كل الأعمار، والتي تشمل: التدريب على استخدام العازل الطبي، وتوفيره مجاناً أو بأسعار رمزية، وأن تتاح خدمة الإجهاض للتخلص من الحمل غير المرغوب فيه، يتم كل ذلك بدعم وإرشاد الآباء!! فـ «المراهقون «الناشطون جنسيّاً» يحتاجون «نوعاً خاصاً من المعلومات والمشورة والخدمات فيما يتعلق بتنظيم الأسرة، كما أن المراهقات اللاتي يحملن يحتجن إلى دعم خاص من أسرهن ومجتمعهن المحلي خلال فترة الحمل ورعاية الطفولة المبكرة»![4]
ففي مقابل رفع سن الزواج لما فوق الثامنة عشرة، تأتي المطالبة بإتاحة وسائل منع الحمل لكل الأفراد من كل الأعمار، «وذلك في أقرب وقت ممكن وفي موعد لا يتجاوز عام 2015»[5].
ولم يقف الأمر عند مؤتمر القاهرة للسكان، ووثيقته المشؤومة، وإنما تبعها المؤتمر العالمي الرابع للمرأة Fourth World Conference on Women (FWCW) الذي عقدته لجنة مركز المرأة بالأمم المتحدة في بيكين عام (1995م)، وصدرت عنه وثيقة سمع بها القاصي والداني، عرفت بوثيقة بكين (إعلان ومنهاج عمل بيكين)، والتي حددت لها هدفين: «استقواء المرأة Women Empowerment» الذي يتم تسويقه تحت عنوان «تمكين المرأة»، و«مساواة الأنواع Gender Equality» الذي يتم تسويقه تحت عنوان «المساواة بين الجنسين».
وقد ركزت سياسة «استقواء المرأة» على تقويتها اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً لتستقل تماماً عن الرجل وعن الأسرة، ثم أكملت سياسة «مساواة الأنواع» المنظومة، لتساوي بين الشواذ والأسوياء على المستويات كافة وفي جميع الحقوق، لتستغني المرأة حتى جنسياً عن الرجل!
وقد حددت وثيقتا السكان وبكين لهما مدىً زمنياً قدره عشرون عاماً للانتهاء من تطبيقهما تطبيقاً كاملاً، وخلال العشرين عاماً تلك، عقد صندوق السكان ولجنة مركز المرأة عدداً من مؤتمرات المتابِعة لرصد تطبيقات الوثيقتين على أرض الواقع. ورغم أن وثيقة السكان قد قطعت شوطاً غير قليل في التطبيق إلا أنه ما زال هناك الكثير من أهدافها لم يتحقق بعد. وفي جلستها الأخيرة التي عقدت في مارس 2014، أقرت لجنة مركز المرأة بأن الوثيقة لم تطبق بالكامل، ومن ثَم اتفقت كل الجهات على وضع أجندة جديدة مدتها خمسة عشر عاماً تبدأ عام 2015 وتنتهي عام 2030.
فهل سنقف موقف المتفرج حتى يتم تمرير تلك الأجندة، كما تم تمرير سابقاتها؟ ألم يَئِن الأوان لكي ينتبه المسلمون للخطر الذي يترصد دينهم وقيمهم وينخر فيها كما ينخر السوس في أعمدة البناء؟ أم أننا لن نستيقظ إلا وقد تهدم البناء فوق رؤوسنا جميعاً؟!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* مهندسة وناشطة في الاتفاقيات الدولية.
[1] . من أشهر تلك الصناديق: صندوق المرأة يونيفيم UNIFEM، وصندوق الطفل UNICEF، وصندوق السكان UNFPA.
[2] . تعتبر الاتفاقيات الدولية أن سن الطفولة يمتد حتى 18 عاماً، ومن ثم اعتبرت الزواج تحت ذلك السن هو زواج أطفال!
[3]. كما في وثيقة القاهرة للسكان، الفصل الرابع، مبدأ (21)، والفصل السادس، مبدأ (7)، فقرة(ج) ، ومبدأ (11) .
[5]5. وثيقة القاهرة للسكان، الفصل السابع، الحقوق الإنجابية والصحة الإنجابية، البند 7-6، ص 39.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن