أعياد غير المسلمين في ميزان الشرع
يسأل كثير من الناس في هذه الأيام عن حكم الإسلام في الاحتفال بما يُسمّى بعيدي الميلاد ورأس السنة. ولخطورة ظاهرة الاحتفال هذه من قِبل عدد كبير من المسلمين والمسلمات لا بدَّ من توضيح حكم الدين، إذ من المعلوم أنّ هذه الظاهرة لها علاقة بالتشبّه وقد اتفق أهل العلم على أنه لا يجوز للمسلمين رجالاً ونساءً التشبُّه بغير المسلمين سواء في عقائدهم أو عباداتهم أو أخلاقهم أو عاداتهم الخاصة بهم أو أعيادهم. وقد وصل تشديد الإسلام على هذا الأمر حتى قال اليهود في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلّم: ما يريد هذا الرجل – يقصدون النبي الكريم صلى الله عليه وسلّم – أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه.
ولِما للتقليد والتشبّه بالآخرين من تمييع لشخصية الأمة وتضييع لاستقلالها وتميُّزها واستعلائها بإيمانها، حرّم الإسلام ذلك، سواءً في مجال العقيدة أو في مجال الأخلاق أو في مجال العادات والتقاليد الخاصة بهم.
قال الله تعالى: (ألم يإن للذين آمنوا أن تخشع قلوبُهم لذِكر الله وما نزل من الحقّ ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب).
قال علماء التفسير: في هذه الآية نهيٌ مطلق للمسلمين عن التشبُّه بالآخرين في أي شأن من شؤونهم الخاصة بهم.
ومن جملة شؤونهم وعاداتهم التي حرّم الإسلام على المسلمين التشبُّه بهم فيها: أعيادُهم، فلا يجوز حضورُها ولا الاحتفال بها أو مشاركتهم فيها، وكذلك لا يجوز ترويجُ وبيعُ البضاعةِ الخاصةِ بها، وذلك حفاظاً على شخصية الأمة المسلمة، إذ الأعياد تشتمل على تقاليد دينية وعادات اجتماعية ذات صلة وثيقة بالعقيدة الدينيّة ومفاهيم الحلال والحرام. وتأكيداً على ذلك جعل الله عزَّ وجلَّ من صفات عباد الرحمن أنهم: (لا يشهدون الزُّور) أي لا يحضرونه ولا يشاركون فيه، وقد فسّر عددٌ من أهل العلم "الزور" بأنه أعياد غير المسلمين (كما في تفسيري ابن جرير الطبري وابن كثير الدمشقي عند تفسير هذه الآية من سورة الفرقان)، لأنها لم يأذن بها الله في شريعته الخاتمة "الإسلام" ولما يقع في تلك الأعياد غالباً من زور التعظيم لغير الله جلَّ جلاله.
ومن هنا يحرم الاحتفال فيما يُسمى بعيد الميلاد وعيد رأس السنة، وحضور السهرات والحفلات، واقتناء "بابا نويل" أو "الشجرة" أو "المغارة" أو لبس "البربارة".
فقد قال عليه الصلاة والسلام: "من تشبّه بقوم فهو منهم" رواه أبو داود بسند صحيح عن ابن عمر، وقال: "المرء مع من أحب" متفق عليه، وقال: "ليس منّا من تشبّه بغيرنا، لا تشبَّهوا باليهود ولا بالنصارى" رواه الترمذي بسند صحيح عن ابن عمر.
وكلّها أحاديث تحرّم التشبّه بغير المسلمين في خصوصياتهم وتتوعَّد بحشر من يتشبّه بهم ويحبّهم معهم يوم القيامة، وورد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فيما أخرجه عنه البيهقي في السنن الكبرى (1/457) بسند صحيح: من أقام ببلاد الأعاجم فصنع نيروزهم زمهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك ولم يَتُبْ حُشِر معهم يوم القيامة.
بل أفتى فقهاء الحنفية أنّ من أهدى لهم في أعيادهم على جهة التعظيم: كَفَر.
وقال الإمام الذهبي في رسالته النافعة "تشبّه الخسيس" ص32: فينبغي لكل مسلم أن يجتنب أعيادهم ويصونَ نفسه وحريمه وأولاده عن ذلك، إن كان يؤمن بالله واليوم الآخر.
وكثيراً ما يَسأل الناس عن حكم تهنئتهم بأعيادهم أو إجابتهم على التهنئة، فقد قال العلاّمة ابن القيم الحنبلي في كتابه القيّم "أحكام أهل الذمّة": وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثلُ أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم فيقول: عيدٌ مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه. فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرّمات وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب. بل ذلك أعظم إثماً عند الله وأشدُّ مقْتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج المحرّم ونحوه. وكثيراً ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك ولا يدري قُبح ما فعل انتهى ما أردت نقله من كلامه رحمه الله تعالى.
وكذلك لا تجوز إجابتهم إذا هنّؤونا بأعيادهم، لأنها ليست أعياداً لنا فضلاً عن كونها ترمز إلى دلالات ومعتقدات دينية عندهم. كما أنه لا يجوز تبادُلُ الهدايا في أعيادهم أو إقامة الحفلات أو حضور السهرات.
وفي الختام يجدر ذكر أسماء بعض الكتب المفيدة المتخصصة في موضوع عدم جواز التشبُّه بغير المسلمين:
1. أشملها وأوسعها وأكثرها فوائد: اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم – لابن تيمية.
2. الاستنفار لغزو التشبّه بالكفار – للشيخ أحمد الغُماري.
3. تشبُّه الخسيس بأهل الخميس في ردِّ التشبّه بالمشركين – للإمام الذهبي رحمه الله.
4. اللهم ثبتنا على دينك، احفظ جوارحنا من الوقوع في معصيتك. اللهم آمين.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة