طبيبة مِخْبرية، حفيدة العالِم المجاهد الشيخ عزّ الدين القسّام رحمه اللَّه | لبنان
ثورة على الجهل
استيقظت من نومي كالعادة.. مرتاعة على صوت المنبه.. إنها السادسة إلاّ ربع صباحاً.. وقفزت من سريري أركض إلى غرفة ولديّ.. وأنا أهذي: هيّا.. هيّا.. لقد تأخرنا.. وبعد ربع ساعة من الصراع مع نفسي وولديّ خوفاً من أن تفوتنا حافلة المدرسة، استرحت أخيراً...
عَلامَ كل هذا القلق والاستنفار؟! آه من المدرسة، لولاها لبقينا بنوم مريح في سرير دافىء!! لماذا لا تقوم الدنيا وتقعد عندما يؤذن لصلاة الفجر؟! لماذا نحرص على أمور الدنيا أشد من حرصنا على أمور الدّين والآخرة؟!..( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ..) (الزمر: 67).. هنا تكمن المشكلة.. فلو قدرنا الله حق قدره لوجدنا أيّ ذنب مهما صغر.. عظيماً، ولن يكون ذلك إلا إذا عرفناه سبحانه حق المعرفة.. وخرجت إلى شرفة منزلي ليجول بصري في ملكوت الله.. في سمائه المشبعة بغيوم تشوبها حمرة تشرّبتها من شمس خجولة تطل من وراء جبال شامخة بأشجار تسبح خالقها.. وشعرتُ بقشعريرة تسري في أوصالي، وبدفء دموعٍ انهالت على وجنتيّ، وبرهبة تخلع فؤادي.. ووجدت لساني يردّد: (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا..) (الزمر: 69).. يا الله ما أعظمك.. وما أبدعك في خلقك!! وجثوت على ركبتي وأنا أنظر إلى السماء: يا ملاذ الهاربين، يا رجاء الخائفين.. واستقرّ جبيني على الأرض... وتمنيت أن لا أرفعه أبداً.. حياء منه تعالى وتلذذاً بخضوعي له.. يا الله.. دقائق أحدثت ثورة في داخلي على إناءٍ نضح بالجهل عشرات السنين.. جهلٍ بحقيقة من نعبد.. إلهنا الصمد.. جهلناه فهانت علينا أوامره ونواهيه.. فأعظم رادع عن المعصية هو إجلال الله تعالى وخشيتنا من جبروته وعظمته، وأهم سبب لنقبل على الله هو محبّتنا لِذاته المنزّهة عن كل نقص.
حينما بُعث إلى العالمين بقي ثلاث عشرة سنة يعرّف الناس بالله تعالى وصفاته.. حتى تكون المعرفة باباً لمحبته جل وعلا.. فإذا استحوذ حب الله على الوجدان واستقرّت خشيته في الأفئدة والأرواح.. كان ذلك هو المفتاح لتعريف الناس بأوامره تعالى ونواهيه..
فمن عرف الله وأحبه تلذذ بالطاعات وأقبل عليها بحب وهمّة كالجبال، ومن لم يعرفه ولم يحبه تلذذ بالمعاصي.. والعياذ بالله.. (مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً) (نوح: 13 -14).. فمن كانت بدايته نطفة فعلقة فمضغة فعظاماً فَلَحماً.. لا يحق له إلا أن يشهد لله تعالى بعظمته وقدرته اللامتناهية..
نعم.. إنها نقطة الانطلاق.. فلنأخذ العهد مع الله ومع أنفسنا بأن نسعى جاهدين ليكون الله هو الأول في حياتنا.. قبل أولادنا وأزواجنا وأعمالنا.. فالله أكبر من كل مغريات الدنيا ومن كل ما سواه..
ومن اليوم سيكون الأذان لصلاة الفجر هو المنبه الذي ينبهنا من غفلةٍ طالت، وهو الذي سيفجر في أرواحنا طاقة الحب لله والخشية منه، معلنة ثورة على كل ما هو دنيوي وزائل
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة