الاحترام.. القيمة المفقودة!
“طفح الكيل.. لم أعد أستطيع تحمّل العيش في زمنٍ بات الاحترام فيه عملة نادرة.. أنّى اتّجهتَ مآسٍ وأرباب كِبر.. والجائزة لمن بغى واستعلى وتجبّر أكثر.. مللت!!”
كانت كلماتها نابعة من ألمٍ نتيجة جملة تجارب مضنية في الدعوة والعمل.. حتى ضاقت ذرعاً بكل شيء وتاقت إلى جذع نخلة تقيها شر المدّعين أو العابثين!
“الاحترام”.. مطلب كل إنسان “محترم” في أيّ مؤسسة أو علاقة.. في الأسرة، في العمل، في التنظيم وفي أي مكان يحتاج إلى التعامل فيه مع الآخر.. فإن فُقِد هذا العنصر المهم نُسِفت العلاقات وأصبحت الحياة متعِبة تشوبها المنغِّصات والحَزَن..
يعيش المسلم وفي داخله رغبة لأن يكون محترماً وأن يحترم الآخرين.. إن كان سوياً.. فهو ينتظر أن يحيا في ظل القِيَم التي ارتضاها الله جل وعلا للمسلمين لينعم المجتمع براحة وسكينة وسعادة.. وحين ينعدم الاحترام فمردُّ ذلك إلى انعدامٍ في التربية الايمانية والسلوكية وانتشار المفاهيم الخاطئة وبُعدٍ عن الله جل وعلا وفهمٍ قاصر للإسلام..
تخيّل لو أن الرجل يدخل بيته دون أن يلحظ زوجته أو يكلّمها فيضع أحماله ثم يمضي لكهفه فلا كلمة ولا بسمة ولا اعتبار! وكذا المرأة إن هي عافت زوجها أو أهانته.. وإن تكلمت فشجار وإن تصرّفت فمكايدة وإن هدأت فاستهزاء!
وتخيّل لو أنك اخترتَ تنظيماً لتقوم فيه بواجب الدعوة إلى الله جل وعلا.. فَيَدُ الله مع الجماعة وباعتقادك أنه قد يسع الجماعة ما لا يسع الفرد.. فما ان تدخل حتى ترى عجباً ولأنك مختلف عن أكابرها في نمطية التفكير والتصرف والنظر إلى الأمور لا يلبث أصحاب القرار فيها حتى يُحقِّروك ويكيلوا لك الكلام المهين علّك ترضخ أو تهجر.. وإن كانت القيادة على هذا المستوى فبم ستتأمّل من بقائك؟! فإن تركت لتجوب حوارِيَ أُخرى –ربما وحيداً بعد صدماتك تلك- وباب الدعوة مفتوح لكل أحد فحينها تكون من “المتساقطين على الطريق” ويتّهمونك أنك من تلك الفئة التي لا تستطيع الانضباط في الحركة.. فدائماً الأخطاء من الصغار و”الكبار” معصومون! وأيّ كبار!!
وتخيّل لو أنك دخلت مؤسسة لتعمل فيها بشهاداتك وكفاءاتك التي ربما تتميّز بها عن أقرانك.. ولكنك لست من النوع الذي يخضع لصاحب الأمر.. فمن بين هؤلاء مَن لا يريد في فريقه إلا الذين يستطيع ترويضهم ليكونوا تحت عباءته.. فإن لم تطأطئ الرأس وتنبطح فسيكون مصيرك المحارَبة.. وبالقانون! وحينها تكون قد استحالت حياتك عذاباً واسودادا.. فيحرِّكونك كما الحجر على رقعة شطرنج ويرفعونك ويذلّونك كما يشاؤون.. ويروّجون حولك الأقاويل في حين أنهم يحمون “آخرين” لمجرد أنهم من نفس الطينة!
متعِبٌ جداً أن تحيا في زمنٍ بات الاحترام فيه عملة نادرة.. والمتعب أكثر أنك لا تستطيع أن تصبح مثل هؤلاء أو كما يريدون لأنك بكل بساطة انسانٌ “محترم”!
تتوالى الضربات.. من هنا وهناك.. وتتلقّاها بصدرٍ عامرٍ بالإيمان.. تسجد لله جل وعلا وتدعو أن يا رحمن “اكفنيهم بما شئت” وتتساءل: لِم أنا؟! ولكنك لا تتخلّى عن طبائع شخصيتك التي تربّيت عليها لأنك تثق أنها الأصلح فتثبت عليها وتتقي شرار النفوس والقلوب بالدعاء. والاعتصام بحبل الله جل وعلا.. وتعتبر ما أنت فيه ابتلاءاً تسأل الله تعالى النجاة منه.. وتبقى متعَباً!
فمما يزيد الطين بلّة أن يدّعي هؤلاء “المتعالون” الإسلام والالتزام ونسوا أو تناسوا أن حسن الخُلُق هو أكثر ما يُدخِل الناس الجنّة.. وكان الحبيب عليه الصلاة والسلام يقول: “إن خياركم أحاسنكم أخلاقاً” فلم يقل أكثركم صلاة أو صياماً! فما الذي سيغنيهم من الله إن أتوا بصلاة وصيام وزكاة وقد شتموا هذا وحقَّروا هذا وظلموا هذا؟! “والدِّين المعاملة”!
قد نختلف في الرأي ولكن يبقى للاحترام سِمة في التعامل.. وإلا ما الذي يميّزنا عن عديمي الأخلاق أو فاقدي الالتزام؟!
ومن الذي يدّعي أنه بالتسلط والكبر والتحقير تتم السيطرة على الأمور أو تقوم للمؤسسة الأسرية أو العملية أو الحركية قائمة؟! وإن قامت فهل تستمر؟! وإن استمرت فتكون كغابة يأكل فيها القوي الضعيف وهذا الأخير يصبر لقلة الفرص خارجها!
بل يمكن الجزم أنه حين تُفتَقَد قِيَم الاحترام والحب فإن هذه المؤسسة تكون إلى زوال ولو بعد حين.. لأنها فقدت أهم عناصر ثباتها واستمراريتها.. وشتّان بين البقاء برغبة وسعادة وبين الاستمرار تحت الضغط من أي نوع كان.. وأي إنجازٍ سيكون والنفس لوجودها كارهة؟!
وإن كان الإسلام قد أوصى باحترام الصغير فلِم يتعالى البعض عن احترام من يستحق فعلياً الاحترام من الكبار والصغار؟
يقول الحبيب عليه الصلاة والسلام “ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا”.. حتى أنه صلى الله عليه وسلّم كان يحترم حتى الجماد والحيوان بأبي هو وأمي.. وحين توفى الله جل وعلا المرأة التي كانت تنظّف المسجد عتب على صحابته لأنهم لم يخبروه بموتها فذهب إلى قبرها وصلى عليها.. قدوة المسلمين أين هؤلاء منها؟!!
وبرأيي فإن الرئيس أو “القائد” إن لم يستطع احترام من دونه فهو لا يستحق القيادة ولا الرئاسة ولربما تعدّى الأمر إلى القول أنه ربما يكون مريضاً بداء الكِبِر أو التسلط أو العمل لمصالح شخصية ضيّقة وليس لمصلحة المجتمع والأُمّة..
ولنتفكّر قليلاً.. أي حياة ستستقيم إن فقدنا الاحترام فيها؟ وأيهما أفضل: أن نحترم بعضنا البعض ونعيش بحب وتقدير أم أن نعيش في غلٍّ وضيق وقد يدعو البعض في جوف الليل على من استباح كراماتهم وهزأ بأشخاصهم؟!
يقول الله عز وجل: “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَاَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلاَ نِسَآءٌ مِن نِسَآءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الإِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ” ..
فهلاّ وقف هؤلاء على قول الله جل وعلا: “عسى أن يكونوا خيراً منهم”؟! فلربما كان مَن يحقِّرونهم هم من أهل القرآن! ولربما كانوا عند الله تعالى أكرم وأتقى وأرفع! فبِم يتفاخرون وقد سقطوا في جبّ النفس والهوى والكبر؟! وإنها لبضاعة مزجاة.. لو فقهوا! فليتنبّهوا!
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة