ملكة جمال
في كلّ صباح، تستيقظ «نرمين» قبل موعد الجامعة بساعة واحدة، فتسارع إلى انتقاء ملابسها ووضع ما تيسّر لها من المساحيق والعطور كي تتأكّد من أن طلّتها ستترك انطباعاً قويّاً في نفس كلّ من يلتقي بها. وبعد ذلك تحتسي فنجان شاي على مهل، بينما تطالع «الأخبار اليومية» عبر صفحة الفايسبوك، ثم تنطلق إلى جامعتها في الوقت المحدد. كلّ من يعرف «نرمين» كان معتاداً على شخصيّتها الاجتماعية والمرحة، وفي اليوم الذي جاءت نرمين إلى الجامعة مقطّبة الجبين ومهملة لمنظرها الخارجي ومتغافلة عن وجود كل من حولها، أدرك أصدقاؤها أن هناك خطباً ما.
«نرمين! لمَ تبدين بهذا الشكل؟ هل من مكروه؟» سألتها جمانة بلهفة مصطنعة. «هل أنت غاضبة لأن فؤاداً تركك لأجل طالبة الهندسة تلك؟» احمرّ وجه نرمين واحتقنت عيناها بالدموع. ودخلت إلى دورة المياه حيث وجدت الملاذ الهادئ أخيراً، وهناك وجدت فتاة أخرى مشمّرة عن ساعديها للوضوء. تأملتها نرمين، فوجدت وجهها خالياً من آثار المساحيق وثيابها عادية غير متكلّفة، وعلى الرّغم من مظهرها المتواضع، أحسّت نرمين بانجذاب غامض نحوها. لاحظت الفتاة بعد برهة أن نرمين أطالت النظر إليها، فبادرتها بابتسامة عذبة قائلة «كيف أستطيع أن أساعدك؟» أجابتها نرمين بثقة وكأنها تعرف الفتاة منذ سنين»، «أحتاج أن أتكلّم مع أي أحد!» أجابت الفتاة، «لا مشكلة أبداً لمَ لا نذهب إلى الباحة؟»
وفي الباحة أطلقت نرمين العنان لمشاعرها،» لقد تركني أنا... ملكة جمال الجامعة... واختار طالبة هندسة لا تعرف من الحياة سوى الخرائط والمساطر! أي خزي وإحراج وضعني فيه! لن أسامحه ما حييت!» كانت الفتاة الأخرى - ملاك - شاردة الذهن، أفرغت نرمين كل ما في صدرها، مضت الأيّام وبدأت نرمين تتعافى رويداً رويداً من الصدمة التي أصابتها وتعود لطبيعتها، وبدأت تكتشف زيف محبة صديقاتها وتلاحظ صدق وصفاء ملاك وتشعر براحة وطمأنينة تشدها إليها، فقد كانت ملاك تصطحب نرمين لأداء الصلاة التي أهملتها منذ سنين. حان موعد مسابقة الجمال الثانية وترشّحت جمانة بكلّ ثقة بعد أن شجعتها نرمين. أخذت نرمين تعلّمها كل ما يلزمها كي تنال الفوز.
وفي يوم إعلان النتائج، أصرّت نرمين على ملاك أن تحضر معها حفل التتويج لأنها ستكون من سيعلن النتيجة باعتبارها حاملة اللقب السابقة. وافقت ملاك على مضض. وهناك، شعرت ملاك وهي تدخل القاعة إلى جانب نرمين وكأنها مخلوق فضائي آتٍ من مجرة بعيدة. فقد استنكر الحاضرون قدوم فتاة إلى حفلة كهذه في صورتها تلك. إلا أن نرمين وملاك تجاهلتا كل ما قد قيل وجلستا منتظرتين بدء الحفل.
في نهاية الحفل، قامت نرمين لإعلان الفائزة بعد أن استلمت النتيجة من الحكّام، نظرت إلى الورقة ودسّتها في جيبها وقالت، «لقد رأيت من الجمال الكثير، ولكنّني لم أرَ مثل جمال صديقتي. لم أرَ في حياتي عينين أبهى من عينيها وقلباً أصفى من قلبها وشفتين تنطقان بالدرر مثل شفتيها، أحببتها واخترت صحبتها بين كلّ الصديقات، هي ملكة بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى...» نظرت نرمين إلى الجمهور وقالت، «إنها... صديقتي «ملاك»!».
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة