أرسلوا هداياكم للأقصى
بقلم: د. أمل خليفة*
مصر
كان الصالحون قبلنا إذا استمعوا إلى كلام الله وإلى كلام النبي (صلى الله عليه وسلم)، بحثوا عن دورهم، وعن المطلوب منهم فعله تجاه ما سمعوه.
هكذا كان حال صحابية واعية، استمعت إلى كتاب الله في مطلع سورة الإسراء، فوجدت الآية الكريمة تجمع بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى، وسمعت النبي (صلى الله عليه وسلم) يتكلم عن فضائل الأقصى، وأنه تُشَدّ إليه الرحال.. فوجدت نفسها في حيرة من أمرها!
ماذا تفعل وهي امرأة، تعيش في قلب الجزيرة العربية، ولا أهل لها في الشام تقصدهم، ولا تجارة تسافر طلباً لها هناك؟!
بالتأكيد كان بإمكانها أن تتجاوز الأمر وتَقْنَع، وبأن تحدث نفسها بأنه لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، لكنها لم تفعل... وما كان منها إلا أن سألت النبي (صلى الله عليه وسلم) سؤالاً صريحاً تستفهم: «أفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ».
تحدث إليها (صلى الله عليه وسلم) بفضائل بيت المقدس، لكنها لم تكن الإجابة التي تطلبها. كانت تريد أن تعرف ماذا عليها أن تفعل تجاه الأقصى، طالما هي لا تملك أن تذهب إليه، وتشد إليه الرحال.
إن شد الرحال إلى الأقصى ليس فريضة، وفي المقابل فإن الحج فريضة، ورغم ذلك قال الله تعالى عن الحج (مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (آل عمران: 97). فإذا كان الله قد رفع الحرج عمن لا يملك الوفاء بالحج، فالأولى ألا يكون هناك أي حرج على غير المستطيع أن يشد رحاله إلى الأقصى!
إذن الإجابة المنطقية المتوقعة هي: لا شيء عليك ما دمت لا تملكين الذهاب إليه. لكن الإجابة الفعلية لم تكن كذلك، وإنما كانت تكليفاً خاصاً لمن لا يملك الذهاب إليه! كلمات شريفة محفوظة في مسند الإمام أحمد:
أَنَّ مَيْمُونَةَ، مَوْلَاةَ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم) قَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللهِ أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَالَ: «أَرْضُ الْمَنْشَرِ وَالْمَحْشَرِ... ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ فَإِنَّ صَلَاةً فِيهِ كَأَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ» قَالَتْ: أَرَأَيْتَ مَنْ لَمْ يُطِقْ أَنْ يَتَحَمَّـلَ إِلَيـْهِ أَوْ يَأْتِيَهُ قَالَ: «فَلْيُهْـــدِ إِلَيْهِ زَيْتًـا يُسْرَجُ فِيهِ، فَـإِنَّ مَنْ أَهْـدَى لَهُ كَــانَ كَمَــنْ صَلَّى فِيهِ» رواه أحمد.
الحقيقة الواضحة في الحديث الذي بين أيدينا أن صاحبة السؤال امرأة، حتى لا يقول أحد: إنّ الأمر له خصوصية للرجال. والحقيقة الثانية أنه أثبت أن لنا دوراً تجاه الأقصى يجب أن تقوم به الأمة، حتى ولو عجزنا عن الذهاب إليه. ومن البديهي أنه ما دام لنا دور، فسيسألنا الله عن هذا الدور يوم القيامة.
فما هو هذا الدور؟
الدور المطلوب منا هو أن نتفقد ما يحتاجه المسجد الأقصى، بحيث إذا احتاجت قناديله إلى زيت، يلزمنا أن نُمِدّه باحتياجه، رغم أن فلسطين هي أرض الزيتون، وتشتهر بوفرة الزيت وجودته.
أما الحقيقة التي يعرفها الجميع فهي أن الأقصى اليوم ليس بحاجة إلى الزيت مطلقاً، فقناديله قد تم إسراجها بدماء الشهداء!
ما يحتاجه الأقصى اليوم منا هو ببساطة أمر واحد: «ألا ننساه». الأقصى يحتاج من الأمة أن تظل تذكره حتى لا تنساه الأجيال، حتى يأتي اليوم الذي تكون فيه الأمة مؤهلة ليوم التحرير.
من يكتب شعراً فليكتب عن الأقصى، ومن يرسم فليرسم باحَتَه المباركة وقد تعامدت عليها الشمس أو غطاها الجليد، ومن يبرع فى القصص فليكتب قصة صبي مقدسي، ومن رزقه الله صوتاً ندياً فليسمعنا صوته وهو يغني لباب حطة وباب المغاربة... فاليوم نحلم به، وغداً ندخله بإذن الله.
إذا كان يعنيكم أمر الأقصى فَتَفَقّدوا أخباره، وتحدثوا بما يجري فيه، وانشروا صوره، وأرسلوا إليه كلماتكم ومشاعركم ..
يا سادة: الأقصى ينتظر هداياكم، فلا تبخلوا بها عليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* باحثة متخصصة في القضية الفلسطينية.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة