طالبة جامعية مهتمة بالكتابات الأدبية | الدوحـة
عواصفُ الظلم
ككل شتاءٍ قارسٍ تبادره العواصفٍُ، تهب على وطنه الجميل، وثلوجٍ تملأ الطرقات، وأمطار غزيرة تتساقط على مدار اليوم، يستيقظ سامي مذعوراً راكضاً يلتقط أنفاسه متجهاً نحو أمه مرتمياً على حضنها ملاذه الوحيد للدفء والأمان والدموع تنسكب من عينيه البريئتين وهو يطرح أسئلةٍ تزحم مخيلته حيرتها:
حلمٍت حلماً يا أمي تمنيت أن لا أستيقظ منه، حلمت أننا لازلنا في مدينتنا التي كانت آمنة، وهي تكتسي ثوب الشتاء الأبيض وأهلها تلبسهم ثياب الدفء،قبل أن يكون للوطن أنين وللدفء حنين، قبل أن تمتد جراح الوطن إلى نبضه وشريانه، حتى بات أهله في العراء ممزقين تلطمهم أكف الحرية وقد تضرجوا بدمائهم وهم يطرقون أبوابها دون أن تفتح لهم!!
أمي هل تذكرين ذاك الشتاء وقد مضى عليه مايقارب الأربعة دهور؟ حينما كان آخر عهد لنا مع الدفء؟ حينها كنا نلتف جميعاً حول المدفأة في غرفة المعيشة وكل منا يضع فروه على كتفه وأمامنا من الأطعمة مايضفي على أجسادنا المزيد من الدفء مع ابتسامة عريضة من والدي تعبيراً عن فرحه باجتيازي وأخي معركة وقعت بيننا تدور حول: (الأسرع بيننا يجلس بجانب المدفأة لمدةٍ وقدرها)..
هذه كانت أكبر همومنا وأعظم الهواجس التي تشغل بالنا!!!
هذه المحنة التي تمر بنا جعلت من الطفل الذي بداخلنا رجلاً يواجه مصير الموت كل يومٍ ألف مرة.
اليوم يا أمي وبعد أن توزعنا بين مخيمات اللجوء بتنا نلتجيء إلى الله بأن يخفف عنا زمهرير هذا البرد، بات رجل الثلج الذي كنا نشكله بفرحٍ وسرور أشبه بالشبح!
كانت الأمطار نعمة لاتكاد تفارقنا، اليوم هي نقمة نستعيذ بالله منها، كانت تسقي الأرض العطشى، أصبحت تغرق الخيام ومن فيها، الشمس التي قيضها الله لتساندنا على تخطي الصعاب غابت وحل مكانها الظلم والظلام!
فقدت الأمل بأن يكون هناك ذاك العدل والإنصاف الذي يتغنون به دون أن أجده محسوساً في أبسط حقوق البشرية!
هل يُعقل أن تكون أقل هموم جيلي هو البحث عن جوربين وقفازين ودثارٍ يرد عنهم بعضاً من غائلة البرد والزمهرير.
هل يعقل ان يكون كل همنا سقفاً آمناً وركناً دافئاً؟
هل يعقل أن يكبر الانسان ويترعرع بين الخيام وهو مهدد بأن يقتله الحر أو البرد أو تغرقه أطمار الثلوج فتوفر له قبراً وكفناً....
بل إن الضباع ماكانت لتحلم بأن تجد فرائسها الكثيرة لقمةً سائغة سهلة المنال، تفترسها مِزقاً من طفلٍ غض الاهاب أو امرأة رقيقة الجانب أو جريحٍ لايملك الدفاع عن نفسه وأهله.
لك الله ياشعبي المظلوم وأنت رغم كل معاناتك ماكنت لترضى يوماً أن يكون ضيوفك تحت الخيام !! فكيف يُنسى صنيعك وقد آثرت ضيوفك يوماً على أهلك وأولادك فمنحتهم الدار وسكنت في توابعه، كل ذلك من طيب أصلك وكرم محتدِك حتى جاءك اليوم الذي تكافؤ فيه بالتشرد والضياع.
أليس من حقي الحلم بأن أغمض جفنيَّ المتجمدتين دون أن أخاف فتحهما مجدداً لأجد الخيمة المبللة وقد سقطت على رؤوسنا بفعل العواصف، والأمطار الغزيرة التي جعلت الطريق يغوص تحت بحيرات من الوحل والطين.
أصوات بكاء الأطفال...
أنين المرضى...
ابتهالات الكهول....
كلها تصَّعدُ إلى السماء حيث الطهر والنقاء.. حيث العدل والإنصاف، حيث الرحمة والغفران، تشتاقُ إلى عز موطنهاالأول، تشتاق إلى عدل بارئها الأوحد، تشتاق إلى رحمة مولاها.
كبياض الثلج هاتيك القلوب.
ليت العواصف لم توقظني هذا الصباح يا أمي
ليت ذاك الحلم لم ينتهِ.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن