باحثة متخصصة في القضية الفلسطينية ورئيسة (ائتلاف المرأة العالمي لنصرة القدس وفلسطين).
أمة المصطفى وبنو إسرائيل
اثنتان وأربعون مرة ذَكر اللهُ سبحانه وتعالى بني إسرائيل باسمهم في القرآن، و"الذين هادوا" تكررت عشر مرات، وذُكرت لفظة "اليهود" ثمان مرات، وكلمة "هوداً" ذُكرت أربع مرات، والأكثر من ذلك أنه لا يخلو جزء من أجزاء القرآن الثلاثين من ذكر شيء له علاقة ببني إسرائيل.
يستحيل ألاَّ يكون لهذا التكرار دِلالة، والمفهوم منه أن الله سبحانه وتعالى يسلِّط الضوء بقوة على هذه الأمة، بما يدلُّ على الاحتياج الشديد لأمة المصطفى أن تعرف كلَّ ما له علاقة بهؤلاء القوم، سواء كان الغرض أن نعرف ما حدث منهم، وما وقعوا فيه؛ حتى نحترز منه، أو كان الغرض أن نعرفهم لأننا ستكون لنا جولات معهم.
وقد بدأت تباشير الصراع بين أمتنا وبين اليهود، قبل بعثة النبي (صلى الله عليه وسلم) ؛ ففي حادثة بَحِيرا الرَّاهب أنَّ النبي (صلى الله عليه وسلم) كان لايزال صبياً في صحبة جدِّه إلى تجارة الشام، وأن الراهب قد تعرَّف على أمارات النبوة، فقال لجده: "احتفظ بهذا الغلام ولا تذهب به إلى الشام، إن اليهود حُسَّد، وإني أخشاهم عليه".
لكنَّ الصراع الحقيقي بدأ بدخوله (صلى الله عليه وسلم) إلى المدينة، ففي بيت أمِّ المؤمنين صفيّة، كان أبوها حُيَيّ بن أخطب سيّد بني النُّضَير وكبير اليهود فيهم، تقول: "كنتُ أحبَّ ولد أبي إليه وإلى عمِّي أبي ياسر، لم ألقَهُما قطّ مع ولدٍ لهما إلاَّ أخذاني دونه. قالت: فلما قدم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) المدينة ونزل قباء في بني عمرو بن عوف غدا عليه أبي -حُيي بن أخطب -وعمّي أبو ياسر بن أخطب مُغَلِّسَينِ، فلم يَرجعا حتى كانا مع غروب الشمس، قالت فَأتَيا كالَّيْنِ كسلانَينِ ساقطَينِ يمشيان الهوينا. قالت: فهشَشْتُ إليهما كما كنت أصنع، فوالله ما التفت إليّ واحدٌ منهما مع ما بهما من الغمّ. قالت: وسمعت عمِّي أبا ياسر وهو يقول لأبي حُيي بن أخطب: أهـو هـو؟ قال: نعم والله! قال: أتعرفه وتثبته؟ قال: نعم. قال: فما في نفسك منه؟ قال: عداوته والله" ما بقيت.
فأمُّ المؤمنين صفية تحكي لنا أن أباها وعمَّها، علِمَا يقيناً بأن النبي (صلى الله عليه وسلم) صادق، وأنه هو نبيُّ آخر الزمان، وكانا من علماء اليهود، وزعمائهم، لكنهما رغم ذلك أصرَّا على تكذيبه، وأضمرا العداوة له.
وليست هذه هي الرواية الوحيدة، فلدينا أكثر من رواية، فالأنصاري سلمة بن سلامة بن وقش، وهو صحابي شهد بدراً، يحكي أنه سمع من جار له يهودي في المدينة، حديثه عن قدوم النبي (صلى الله عليه وسلم) وصفتِهِ، فلما بُعث النبي (صلى الله عليه وسلم) لم يستفد هذا اليهودي بعلمه، وإنما جحد الحقَّ وأنكره، بينما آمن أهل المدينة.
والمدهش في الأمر أن هذا العِلم لدى اليهود بقدوم النبي الخاتم (صلى الله عليه وسلم)، كان هو السبب في إيمان أول ستة من أهل المدينة من قبيلة الخزرج، في موسم الحج.
قال ابن القيم في زاد المعاد: "وكان مما صنع الله لرسوله (صلى الله عليه وسلم) أنَّ الأوس والخزرج كانوا يسمعون من حلفائهم من يهود المدينة، أن نبياً من الأنبياء مبعوث في هذا الزمان سيخرج، فنتبعه، ونقتلُكم معه قَتْلَ عادٍ وإرَم. وكان الأنصار يحجّون البيت كما كانت العرب تحجّه دون اليهود، فلما رأى الأنصار رسول الله يدعو الناس إلى الله عزَّ وجلَّ وتأملوا أحواله قال بعضهم لبعض: تعلمون والله يا قوم إنه للنبي الذي توعَّدكم به يهود، فلا يسبقنَّكم إليه؛ فأسرعوا إلى إجابة دعوته".
فاليهود كانوا يعتقدون أن النبي القادم هو من أنبيائهم، مثلما أرسل الله إليهم قبله عدداً ضخماً من الأنبياء، وكانوا يتوعَّدون أهل المدينة بأنهم سيستقوون به، وتقوى به شوكتهم، ويقتلونهم، فلما جاء لم يكتفوا بتكذيبه فحسب، وإنما سعَوا لقتله للتخلص منه ، كما سبق لهم أن قتَلوا غيره من الأنبياء.
وقد أخبرنا الله سبحانه عن حقيقة ثابتة في علاقتنا باليهود: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذينَ آمَنُوا اليَهُودَ والذِّينَ أَشْرَكُوا) (المائدة: 82) فقدَّمهم في عداوتهم للمؤمنين على الذين أشركوا، رغم اشتراك المسلمين معهم في الإيمان بالله.
وممَّا يؤكد استمرار هذه العداوة، وتأجّجها إلى يوم القيامة، حديث النبي (صلى الله عليه وسلم) في صحيح مسلم: "لا تَقُومُ السَّاعةُ حتَّى يُقاتِلَ المسلمون اليهودَ، فيقتلُهم المسلمون.." مما يدل على أن الأمة ستظل في صراعها مع اليهود، حتى تَحدُثَ معركةً كبرى تُنهي هذه الخصومة، وتحسم الصراع.
هذه الحقائق كلُّها تؤكِّد أن لا سبيل للتعايش السلمي، ولا التفاوض بيننا وبين هؤلاء القوم. والواقع اليوم يُظهر بوضوح أيادي اليهود التي تَحيك المؤامرات لأمتنا على كل الأصعدة.
صحيح أن المواجهة الحقيقية بيننا وبينهم تدور على أرض فلسطين، لكنّ حلبة الصراع رَقْعَتُها أوسعُ بكثيرٍ من ذلك، فهي تشمل ربوع الشام، ومدن مصر، وجبال اليمن..
مَن يظن أن هذا الصراع يمكننا التفاهم فيه، والتفاوض حوله؛ فهو واهم، وإنما طريقه الوحيد هو حشد مقدَّرات الأمة، لتنهض نهضة واحدة، تطيح فيها بأعدائها، سواء كانوا الصهاينة أو مَن يساندهم، تماماً كالنهضة التي حدثت أثناء الحروب الصليبية، في مختلف نواحي الحياة، وأفضت في نهايتها إلى الخلاص من التواجد الصليبي، ووقف حملاتهم على المشرق.
كل مَن يضع لَبِنة للإصلاح في الأمة؛ يخطو خطوة نحو النصر، وسيحاسبنا الله سبحانه وتعالى على طاقاتنا وإمكاناتنا إذا لم نوظفها لننهض بأمتنا، حتى يأتي اليوم الذي بشّرنا به النبي (صلى الله عليه وسلم): "لا تَقُومُ السَّاعَةُ حّتى يُقَاتِلَ المُسلِمُونَ اليَهوُدَ، فَيَقتُلُهُم المسلمون.." رواه مسلم.
نسأل الله أن يعجِّل بالفرج لأمتنا، ويكشف الغمة.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة