الرحمة تحت المجهر
تسلّط العدسة على هذا المجلس الذي قرَّب الحبيب (صلى الله عليه وسلم) حكم الزنا لمن استأذنه فيه ؛ فلقد حرص على إشاعة أجواءٍ من الهدوء، ورسْم ملامحِ بيئةٍ مطمئنةٍ قبل الشروع في إدارة حوار عقلي بمقدماتٍ سليمةٍ بعيدةٍ عن الزَّجْر والتَّخويف من العذاب الذي ينتظره بفعله.
وتقترب العدسة أكثر من هذا الجمع من الصحابة؛ فما سمعنا أحداً منهم قد توعّد هذا الشاب بعد خروجه من عند الحبيب (صلى الله عليه وسلم)، وأنه ما سكت عنه إلاّ لوجود الرسول (صلى الله عليه وسلم). ونكبّر الخط كثيراً لنقرأ تلك البرمجة النّبوية للخطاب الموجّه من سعد بن عبادة لمّا مرّ بأبي سفيان عند فتح مكة قائلاً له:
اليوم يوم الملحمة، اليوم تُستحلّ الحرمة، اليوم أذل الله قريشاً!!
فتتم إعادة الصياغة من لدن الحبيب (صلى الله عليه وسلم) بمفردات البناء في أزمنة قادمة:
اليوم يوم المرحمة، اليوم يوم تُعظَّم فيه الكعبة، اليوم يوم أعزَّ الله فيه قريشاً.
ونستمر في تكبير الخطوط لنتوقف طويلاً ونقرأ البسملة في بداية القرآن، وفي بداية كل سورة من كتاب الله تعالى، وأنها ما اقترنت إلاّ (بالرَّحمن الرَّحيم).
وأن أسماء الله تعالى وصفاته كثيرة، ولكن التنزيل ما قُرِنَ إلاّ بالرحمة (تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) (يس:5).
وأنّ سورة الرحمن اسمها صفة لله تعالى.
وأن الله تعالى كتب على نفسه الرحمة (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) (الأنعام:54).
وأن التخصيص في الإصابة المؤلمة كان للعذاب، أما التعميم فكان للرحمة (قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) (الأعراف: 156).
وأنه لما أراد الله تعالى أن يجعل بين شخصين غريبين عن بعضهما تماماً شيئاً ما لبدء علاقة ممتدة، ما جعل إلاّ المودة والرحمة (وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) (الروم: 21).
وأن للرحمة ألواناً، منها الذِّكْر، وما خلا منه قلبٌ إلاّ واتصف بالقسوة، وكان حظه الوعيد (فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ) (الزمر: 22).
وأن الطّفولة هي من ينابيع الرحمة المتدفقة، لذا كان الهدي النبوي في تمييز نوعية الإرسال الموجَّه إليهم (ويَرحم صغيرنا) المستدرك على الصحيحين، والذي سينعكس يوماً ما علينا وعلى المجتمع كله، وعليه فعند تحليل ظاهرة القسوة في مجتمعاتنا (فلنفتّش عن الطفولة).
الرحمة بناء واستثمار، والقسوة هدمٌ وإفلاس.
الرحمة حبٌ وسلام، والقسوة بغضٌ وحرب.
ومع التركيز في مثل هذه المعاني وغيرها نجد أن الرحمة جمال، والقسوة قبح، وما من نفسٍ على الفطرة إلاّ وتحب الجمال.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة