مواقف مشرّفة
انتقل بكم إلى مواقف مشرِفة، إن دلّت على شيء فهي تدل على ماهية الصحابة وما رزقهم الله تعالى نعمة كونهم أصحاباً للنبي صلى الله عليه وسلم ، عاش بين أظهرهم فحظوا برضى الله تعالى عليهم إلى يوم يلقونه، فطابت نفوسهم بهذه النعمة العظيمة للأبد.
صاحب هذا الموقف الرائع هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بينما كان الحبر اليهودي زيد بن سعنة يمتحن حلم النبي صلى الله عليه وسلم، وهل تزيده شدة الجهل عليه حلماً وتيك خصلتان سيؤمن إن وجدهما في خلق الحبيب صلى الله عليه وسلم، وتقول السيرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم خرج ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، في نفر من صحابه؛ فلما صلى على الجنازة، ودنا إلى الجدار ليجلس إليه. أتاه الحبر زيد. فأخذ الرسول بمجامع قميصه وردائه ونظر إليه بوجهﹴ غليظ وقال له: يا محمد. ألا تقضيني حقي؟ فوالله ما علمتم بني عبد المطلب إلاّ مطلا، ولقد كان لي بمخالطتكم علمٌ. ونظر إلى عمر، وعيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير ثم رماه ببصره فقال: يا عدو الله أتقول لرسول الله ما أسمع؟ وتصنع به ما أرى؟ فوالذي نفسي بيده لولا ما أحاذر فوته [أي سلامه] لضربت بسيفي رأسك.. وباقي القصة معروفة أما بيت القصيد هنا هو كيف زاغت عينا عمر وكاد يقتلع رأس زيد من مكانه لولا ما أمره به النبي من أخذه وقضاء حاجته وفوقها كذا من التمر إرضاءاً له.
تأمل رحمك الله- كيف هي غيرة الصحابة على رسولهم. خصوصاً عمر. وزيره الثاني.
موقف عز ورجولة، شهامة وغيرة عجيبة تقابلها رحمة أعجب وحلم أعظم ولين وحكمة. أسلم لأجلها زيد بن سعنة الحبر اليهودي المشهور.. وصار حبيباً لعمر بعد أن كاد يطيح برأسه، وهذا العمر رائع مهيبٌ تجلّت رحمته وحبه للنبي صلى الله عليه وسلم برد الكيد عنه والشدة على أعداء الدين والمنافقين يعجبني هذا الموقف وأبيع الثمين لديّ مقابل هكذا موقف من الغيرة والحرص على السنّة النبوية والدين الإسلامي؛ الآن، في هذا الزمان المظلم التعيس من قبل رجلﹴ وقر الإيمان في قلبه فأضحى بائع لنفسه ومعتقها في سبيل الله ورسوله...
وهذا حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم، ابن العوّام،الذي بينما هو ذات يوم قائل إذ سمع نغمة: قتل رسول الله، فخرج متجرداً بالسيف صلتاً، فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم كنةً كنةً [أي مخففاً من اندفاعه مواجهاً له ببدنه] فقال: ما لك يا زبير؛ فقال: سمعت أنك قتلت. قال: فما أردت أن تصنع؟ قال أردت والله أستعرض أهل مكة [أقتل من ألقاه منهم] فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم بخير.
والله إن السيرة العطرة تعجّ عجّاً بمواقف عز وبطولة وفداء وتضحية ما لها نظير، تشمخ بها رؤوسنا فنطاول الجوزاء ونعلو بها جباهنا التي طالما بقيت منكّسة حتى عدنا لنظهر اللآلئ والدرر المدفونة عن قصدﹴ وعمدﹴ لنبقى مغيّبين عن الساحة، مضللين من قبل أعداء الإسلام.
الخير كل الخير في تاريخ أمة محمد، والعزّ كل العزّ في التحليل والاستنباط من تراث أمة محمد والنصر كل النصر في الامتثال التام الكامل لأوامر الله عز وجل ولطاعة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم .
بهما وعبرهما سنعود أمة مجدﹴ وأمة مقصدﹴ عظيم أشفقت الجبال والأرض والسموات أن تحمله والأمانة في أعناق هذا الجيل، تسلِمها سليمة صافية لا يشوبها نقص ولا تقصير من جيل العمالقة الذين صاحبوا الرسول صلى الله عليه وسلم وفقهوا الغاية من خيرية هذه الأمة العظيمة، فآمنوا بالله ثم استقاموا..
اللهم اجعلنا من عبادك الصالحين المصلحين الهادين المهتدين سلماً لأوليائك حرباً على أعدائك، نحب بحبك من أحبك... آمين
هوامش
(1) أنظر حياة الصحابة، محمد يوسف الكاندهلوي، دار القلم، ط 5، دمشق، 1987م، ج 1، ص: 151.
(2) حياة الصحابة، للكاندهلوي/ ج 1، ص: 146.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة