من المؤمنين رجال..ومن المتخاذلين أشباه رجال
كتب بواسطة بقلم: سهاد عكيلة
التاريخ:
فى : المقالات العامة
2215 مشاهدة
«إذا خيرتنا السلطات الإسرائيلية بين أن نُسجن أو أن نتخلى عن حقّنا في المسجد الأقصى فسنقول دون تلعثم: مرحباً بالسجون، نحن لا يشرّفنا أن يعترفَ بنا أحد من المؤسسة الإسرائيلية، يكفينا فخراً أننا مسلمون عند الله تعالى»... «مرحباً بالشهادة في سبيل الله في ساحات المسجد الأقصى».
هذا ما قاله رئيس الحركة الإسلامية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة الشيخ المجاهد رائد صلاح حفظه الله تعالى في موقف العزة الذي وقفه وإخوانه من أبناء الحركة الإسلامية في الأراضي المحتلة، للدفاع عن حياض المسجد الأقصى لمنع اليهود المتطرفين من تدنيسه احتفالاً بأعيادهم المزعومة فيه!
إن الصهاينة لا يدّخرون جهداً في تنفيذ مخططاتهم المتدرجة الرامية إلى هدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل المزعوم مكانه، فأين جهودنا في حماية أقدس بقعة إسلامية بعد الحرمين الشريفين: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرامِ إلى المسجدِ الأقصى الذي باركنا حوله...)؟
نعلم أنّ للبيت ربّاً يحميه، ولكن: بما أنّ اللهَ قد تعبّدنا بالأسباب ولم يتعبّدنا بالنتائج، فقد أُنيطت بنا مسؤولية عظيمة تنوء الجبال الراسيات بحملها، لم تجد لها إلا شباب فلسطين وفتياتها وشِيبها وأطفالها يحمون المسجد من دنس الصهاينة بإيمانهم ابتداءً: هذا الذي دفعهم لتلبية نداء «شيخ الأقصى»، ثم بصدورهم العارية حيث لم يجدوا إلا حجارة المسجد والمقاعد البلاستيكية المتوفرة فيه وأحذيتهم يرمون بها المجنّدين غير آبهين بموت ولا بجِراح ولا باعتقال...
عجباً! أليس في قادة الجيوش العربية - ولن أقول الحكومات - أليس فيهم رجلٌ رشيد يُخجله سلاح الكراسي والأحذية في الوقت الذي تُدجَّج فيه جيوشنا بالأسلحة الثقيلة، وتُصرف لها الميزانيات لتُستخدم في الاستعراضات العسكرية أو في صدور الشعوب بعد أن يُنفض عنها غبار التخاذل والعار؟!
وفي الوقت الذي تقترب فيه محنة الأقصى من الذروة، لا يزال أشباه الرجال المتهافتين على قتل القضية يتشبّثون بسلام زائف عماده تضييع الحقوق والإقرار للغاصب باحتلاله ودفعه للمزيد من سفك الدماء! وفي سبيل ذلك يسعَوْن لحماية أمنه داخلياً ولتغطيته سياسياً وإنقاذه حقوقياًً، ويتسابقون لنَيْل الحظوة عنده!!! فأين هؤلاء من الذي يقول: «يكفينا فخراً أننا مسلمون عند الله تعالى».
وإذا كنا قد نفضنا أيدينا من هؤلاء: فأين نحن من حقيقة كوننا مسلمين؟ هل تُرانا نردِّد يقيناً بلسان الحال قبل المقال مع شيخنا الجليل: «يكفينا فخراً أننا مسلمون عند الله تعالى»؟ وهل نشعر بها حقاً ونعمل بمقتضاها؟
ومن المؤمنين نساءٌ يربّين الرجال ويقدِّمنَهُم في سبيل الله، ويقدّمن أنفسهن كذلك سجينات وشهيدات وقبل ذلك مجاهدات في سبيل الله؛ فقد رأيناهنّ في باحات المسجد الأقصى مكبِّرات متضرِّعات إلى الله، يصيبهنّ ما يصيب سائر المرابطين في الأقصى. فتَحية إجلال لهؤلاء النسوة اللواتي دحضن كل المزاعم القائلة بأن الإسلام ظلم المرأة وحصر دورها في «المطبخ»... ها هن يؤدّينَ واجبهن الإسلامي والإنساني والاجتماعي ويشاركن الرجال فيما عجزت عنه الأنظمة!
هؤلاء رجال قد تحقق فيهم وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لعدوهم قاهرين لا يضرهم مَن خالفهم إلا ما أصابهم من لَأْواء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك» قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال صلى الله عليه وسلم: «ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس» رواه أحمد (22320).
أما أشباه الرجال المتخاذلون عن نُصرة قضاياهم فلكأنّهم يعيشون على كوكبٍ آخر: في مجزرة غزة كانوا إما متفرِّجين أو متورِّطين، وأمام الخطر الذي يتهدد الأقصى لا يحرِّكون ساكناً وكأن الأمر لا يعنيهم؛ في الوقت الذي أقاموا الدنيا وتملّقوا المجتمع الدولي البائس دفاعاً عن أصنام بوذا في أنحاء من أفغانستان عندما قررت حركة طالبان هدمها!!!
فأين «شيخ الأزهر» ليُصدر فتاوى النفير العام لحماية الأقصى بدلاً من أن يحارب فتاة صغيرة منتقبة، ويخرج علينا بعدها بفتوى أنّ النقاب عادة ويقلب حقائق الدين، ويفتح باب شرٍّ على المنقّبات لا ندري متى يُغلَق، وليجعل منها قضية استغلّها المتربّصون المصطادون في الماء العَكِر للغمز من قناة الإسلام وأحكامه الشرعية خاصة تلك المتعلقة بالمرأة المسلمة! لقد ضقنا به ذرعاً وبفتاواه المشوِّهة لوجه الإسلام الحضاري، المفصّلة على مقاسات مَن يستعبدونه! فليتأمل قول الفُضَيْل بن عياض في ذلك: «كنا نتعلم البُعد عن السلطان كما نتعلم القرآن» لعلك ترعوي!
إنّ رجال الأمة «المنتظِرين» بحمد الله كُثُر، وهم المستحقون لأن يكونوا قادة الأمة وهُداة طريقها إلى المسجد الأقصى، لو يُخلّى بينهم وبين الحدود والمعابر! ولكن تسبق ذلك مقدّمات على رأسها استحضار البُعد العقائدي الذي يجعل من حماية المسجد الأقصى واجباً شرعيّاً على كل مسلم، وهذا البُعد لن يكون حاضراً في وعي الشعوب الإسلامية إلا إذا تربت الأجيال عليه وتشرّبته حتى خالط شَغاف قلوبها وتجذّر في عقلها وترجمته في سلوكياتها وفي أنماط تفكيرها. وهذا يحتاج إلى خطة تربوية شاملة مقوماتها: البيت (في الأساليب التربوية للقائمين عليه وفي السلوكيات اليومية لأفراده)، والمدرسة (في مناهجها التربوية) وسائر المؤسسات التربوية والاجتماعية والإعلامية (في برامجها ومخططاتها الإستراتيجية)، وأركِّز على الأخيرة لما لها من دور خطير في صياغة العقل الإنساني وتشكيل خلفيته الثقافية، وفي تبديل قناعاته أو تثبيتها، وفي تحريك ما أَسِن من ركودٍ في المجتمعات البشرية؛ بدليل أنّه عندما يسلّط الإعلام الضوء على المسجد الأقصى تتحرّك القضية وينشغل الرأي العام الإسلامي بها، وعندما يغيِّبها، تنام الأغلبية عنها إلا الصهاينة: يستغلون هذه «النومة» لتنفيذ مخططاتهم، وما مواصلة حفر الأنفاق تحت المسجد بعيداً عن عدسات الكاميرات إلا آثار من استغلال غفلة الشعوب الإسلامية عن أُولى قِبلتَي المسلمين!
ومن المقدِّمات التي تسبق ذلك التغيير في القيادة أيضاً: اقتناص الفرص التي تسهِّل مهمة الأمة الإسلامية، وأذكر فرصتين على الأمة اليوم استغلالهما:
أما الأولى فهي: التفوّق الديمغرافي؛ حيث فشلت «الوكالة اليهودية» في إقناع جميع يهود العالم بالمجيء إلى أرضهم المزعومة، وهجرة 750 ألف يهودي في الفترة الأخيرة إلى أوروبا وكندا، وهذا يعني أن العدد الذي تعوِّل عليه الوكالة سيتناقص نسبياً مع الأيام القادمة، وفي المقابل يزداد عدد الفلسطينيين.
والثانية: تتمثل في إرهاصات اقتراب تفكك الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث طالبت العديد من الولايات بأن تأخذ استقلالها وتحكم نفسها بنفسِها... فضلاً عن الأزمة الاقتصادية التي تترنّح أمريكا من وطأتها، يضاف إلى ذلك خسائرها في أفغانستان والعراق، وخسارتها جراء دعمها اللامتناهي لطفلها المدلل ذاك الذي يسمّى زوراً بـ «إسرائيل».
وهذه فرصة تاريخية على المسلمين التخطيط لاستغلالها؛ لأنه في الوقت الذي سينهار فيه القطب الأوحد سيحتاج العالم لقائد جديد يتولى زمام القيادة العالمية، وليس أجدر بهذه المهمة من الأمة الإسلامية بعدما تحسم أمرها وتعود إلى منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي سيتيح للإنسانية أن تتنعّم بالعدل والحرية والأمن والرخاء الاقتصادي والرقي الأخلاقيl
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن