ما بعد ضرب أسطول الحرية
كتب بواسطة د. ديمة طارق طهبوب
التاريخ:
فى : المقالات العامة
606 مشاهدة
لن أكتب في السياسة، فالسياسة هي التي مكنت "إسرائيل" من الاستقواء علينا، ولن أكتب عن الشرعية الدولية، فالشرعية الدولية هي التي أنشأت "إسرائيل" بداية بقرار عصبة الأمم، والأمم المتحدة ما تزال ترعاها وتفشل ولو بمشروع قانون يدين أفعالها، وتتهاون مع عدم تطبيقها لقراراتها دون فرض عقوبات عليها، وليس
آخرها قرار رفع الحصار عن غزة، وتُبقي العرب مجرد أصفار على الشمال لا يقدمون ولا يؤخرون، ومجرد تكملة عدد وشغل كراسي ورئاسات تشريفية ورعايات مادية ليكتمل بهم مشهد الشرعية الدولية، لن أحلل سياسيًا فإعلامنا يمتلئ بحديث السياسة التي لم تفدنا أكثر مِن مكانك سِر.
سأكتب عن مشهد إنساني أصبح يشكل العنصر الأهم في معادلة الصراع، قوة بشرية لا تعترف بقواعد اللعبة التي تحسم المعركة للأقوى عسكريًا، بل تسخّر المأساة الإنسانية لتوظيف التعاطف العربي والإسلامي والدولي، وإنشاء تحالفات جديدة لا تخضع لموازين القوى الدولية، بل تستند لقوى مؤسسية وشرعية شعبية، والسؤال الأول:
*هل كنا نتوقع من "إسرائيل" غير ذلك؟
إننا بعد اثنين وستين عامًا من النكبة والصراع، وملايين الضحايا، لحريّ بنا أن نفهم الدرس وطبيعة العدو الذي نواجهه، فمن قتل الأنبياء لن يقيم وزنًا للبشر مهما كانت مكانتهم أو نبل أهدافهم أو ضعف أحوالهم.
من جعل نفسه بمقام البنوّة من الرب، ونصب نفسه شعب الله المختار، وجعل قتل الأغيار من غير اليهود قربى إلى الرب، واستخدم البشر كأدوات لتحقيق أهدافه أو حمير يركبها لبلوغ غاياته ثم يطلق عليها الرصاص بعد انتهاء الحاجة إليها، هؤلاء لن يأخذوا بالاعتبار كل المسائل الإنسانية والقانونية والواجب والمفروض والعقلاني.
من وضع في بطنه "بطيخة صيفي" أنه مهما فعل فسيجد أمًا وأبًا أمريكيًا يحتضنه ويدافع عنه، ويبرر أفعاله، فالقرد في عين أمه غزال، وهي تستخدم الفيتو للحيلولة دون معاقبته ووصف أفعاله بالإرهاب فهذا وصف مخصص ومصطنع فقط للعرب والمسلمين.
*الحرب على غزة والضارة النافعة:
لقد أخرجت الحرب على غزة وهذه القوافل الشريانية البرّية والبحرية الشعوب العربية من حالة السبات العميق التي عاشتها لسنوات، وإن كانت لم تفارقها تمامًا، ولكنها رفعت الجاهزية للغضب والمشاركة الوجدانية والمادية، والقابلية للتحرر من سلطان الخوف أو اللامبالاة.
في ساعات معدودة بعد الخبر انطلقت جماهير العرب والجاليات لتفعيل السلاح الذي بأيديهم، ونقل وجهة نظرهم للحكومات العربية والأوروبية من خلال المظاهرات والاعتصامات، ولا يقولن قائل: ماذا تفعل هذه؟ هل تردّ روح الشهيد، أو تبرئ الجريح، أو تطلق الأسير؟ وهذا منطق العجز التام الذي يجعل القعود في البيت وذرف بعض الدموع قمة الجهاد والتفاعل!!
إن هذه المظاهرات والاعتصامات تبين حالة الاحتقان الشعبي، وترسل للداخل الرسمي والخارج الدولي رسالة مفادها أن هذا الجهد والجهاد الشعبي المتمثل في القوافل والأساطيل مدعوم من العرب وشعوب العالم التي تعلمت النطق والحركة بعد الحرب على غزة، وأصبح صعبًا عليها التوقف عن الكلام والمسير.
* لقد خفنا أن يستشهد!
"والموت في سبيل الله أسمى أمانينا".
كم بدا هذا الشعار مجرد كلام نظري والجماهير تردده وبين الفواصل تسأل: ماذا حصل للشيخ رائد صلاح؟ استشهد أم لم يستشهد؟ جريح؟ في المستشفى؟ اعتقلوه؟ الحمد لله ما زال حيًا، والخوف يتملكنا، والدموع متجمدة في المآقي مخافة أن تسمع الخبر بأن الشيخ الجليل ارتقى شهيدًا! فهل نسينا أجر الجهاد والشهادة والشهيد؟ هل نسينا أن الشهادة غاية أماني الشيخ وهي ما عمل له طوال حياته؟ أم أنّ الخوف كانت له أسباب أخرى؟
ماذا سيحل بالقدس؟ ماذا عن المسجد الأقصى؟ من سيقف لليهود؟ الحفريات؟ الأنفاق؟ للبيت رب يحميه، وقد صيّر له هذا الشيخ، فما مصير البيت إن ذهب راعيه من البشر؟
كانت بعض الدموع تسيل تشاركها دموع أخرى غير منظورة في محاريب الأقصى والمصلى المرواني تذكرنا بقول أبي البقاء الرندي بعد سقوط الأندلس:
حتى المحاريب تبكي وهي جامدة حتى المنابر ترثي وهي عيدان
كم يستغيث بنو المستضعفين وهم أسرى وقتلى، فما يهتز إنسان
لمثل هذا يذوب القلب من كمـد لو كان في القلب إسلام وإيمان
ماذا عن خيمة أم كامل؟ من سيثبّت قواعدها؟ ماذا عن حيّ الشيخ جراح وسلوان؟ من سيساند أهلهم؟ ماذا عن خطة تهويد القدس؟ من سيقف بوجهها؟
لقد بدا مشروع الدفاع يوم استهداف رائد صلاح ملخصًا في شخصه فكان هو عنوانه ووقوده، وكأني به يريد أن يذكر العالم من غزة ويحركهم لقضية بنفس الأهمية ولسان حاله قول الشاعر:
أخي إن في القدس أختا لنا أعدَّ لها الظالمون المُدى
أخي إن جرى في ثراها دمي وأطبقت فوق حصاها اليدا
ففتش على مهجة حرة أبت أن يمر عليها العدا
فلسطين تحميك منا الصدور وجلّ الفدائي والمفتدى
فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العدا
هل هو أيضا وهنُنا الداخلي، وجهادنا بالوكالة الذي حصرناه في شخص أو شخوص فجعلناهم مندوبين عنا قائمين بأعمالنا، واسترحنا لوجودهم، وهلعنا لإمكانية فقدهم، ونسينا أن الجهاد في أعلاه شهادة، وفي أدنى درجاته استنكار وجهاد بالقلب، وما بينهما مراحل عديدة لم نؤدّ إلا القليل منها؟!
* فلسطين عربية والشهداء أتراك.
كم بدا ضيقًا ذلك الشعار القومي الذي ردّده البعض استنهاضًا أو تمسكًا بمشروع لم يؤت أُكُله، بل كان سببًا في خذلان فلسطين والعرب، وظل يضيق حتى أصبحت العروبة قُطرية، وكل الدول معنية بذات نفسها ومن ورائها الطوفان.
كم بدا ضيقًا وعقيمًا والأتراك يسابقون العرب لنصرة غزة وكل قضايا العرب والمسلمين!!
كم بدا شعارًا سخيفًا والأتراك تسبق دماؤهم العرب في التضحية وتأكيد مواقف النصرة بالروح والدم، وأن ما بيننا وبينهم ليس خبزًا وملحًا، وإنما أرواح ممتزجة، وتاريخ مجيد، ومستقبل توضأ بالدم، وهلال يجمعنا تحت رايته، وفاتحو القسطنطينية جاؤوا ليفتحوا غزة، ليعيد تاريخ المجد نفسه.
* هل تحققت النبوءة؟
لقد قالها التركي العثماني عبد الحميد ذات يوم إن فلسطين ليست ملكه، إنها ملك المسلمين، وثمنها دماء ملايين المسلمين.
فهل تحققت النبوءة، وجاء أحفاده ليستردّوا إرثه، ويحملوا رسالته، ويجعلوا أرواحهم ودماءهم فداءً لفلسطين؟
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن