شخصية حريصة على الحياة - معالم الشخصيّة اليهودية (9)
كتب بواسطة بقلم: محمد علي دولة
التاريخ:
فى : المقالات العامة
613 مشاهدة
شُهرت الشخصية اليهودية طيلة تاريخها الطويل بأنها تخشى الشدائد، وتهاب الأقوياء، وتُرعَب من لقائهم، ولا تتمنَّى ذلك. وشُهرت كذلك بأنها تعشق الحياة وتتشبَّث بها مهما كانت صورتها، ولا تُقدم على الموت في سبيل
الأمور العُظمى، وتعيش في حالة من التوجُّس والقَلَق، والخوف من المستقبل.
لذلك فإنه لا يوجد في تاريخهم الطويل بطولات ومواقف تُذكر، إلا ما كان في زمن مملكتهم الكبرى، التي حكمها طالوت وداود وسُليمان، وفي زمن بعض القادة المكابيّين، وإلا ما كان من الرجال المؤمنين منهم الذين رغبوا في الدار الآخرة وفي اكتساب مرضاة الله، وما أقلَّهم!!
***
في بلاد العرب في الجاهلية وصَدْر الاسلام، حيث عاش الأبطال الشجعان، لم يتأثر يهود يثرب خصوصاً، بل ويهود الحجاز عموماً بالبطولات العربية، وكانوا يعيشون في صياصيهم متحالفين مع إحدى القبيلتين العربيتين: الأوس أو الخزرج. كانوا ثعالبَ مُفسدة، ولم تظهر منهم مواقف تُذكر في أيامهم مع المسلمين إلاّ ما كان من بطلهم (مَرْحَب) الذي جَنَّد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليَّ بنَ أبي طالب، ولم تُغْنِ بطولته ولا شجاعة غيره من المقاتلين اليهود من هزيمة منكرة أمام أبطال الإسلام، واستسلامٍ كاملٍ لجيش المسلمين يوم خيبر.
بَيْد أنه يجوز للإنسان أن يتساءل عمّا عُرف عن جيشهم المعاصر، الذي سمَّوْه «جيش الدفاع الإسرائيلي»، من مواقف حاسمة مع بعض الجيوش العربية، ومن انتصارات مدوِّية سريعة عليها؟!!
إنّ قصة ذلك قصَّة غريبة تستحق الوقوف عندها، وبيان أسبابها، وسوف أوضح هذا الأمر فيما يأتي من هذا المقال. وإنّ المرء ليعجب من هذه الشخصية القاسية جداً، التي يحمل أصحابُها قلوباً كأنها الحجارة، والتي صدرت عنها أعمال مفرطة في الوحشية: كيف جمعت بين الجُبْن والقسوة؟ لكنّ عجبه سرعان ما يزول حين يتذكر أنّ الإنسان الشجاع يرحم الضعيف، ويعفو عن العدو، ولا ينتقم منه.
ولقد أوردت أسفارهم صُوَراً مذِلّة من خوفهم وتصاغُرهم أمام أعدائهم، ففي سِفْر الخروج: «ولمَّا قرب فرعون، رفع بنو إسرائيل عيونهم، فإذا المصريون ساعون وراءهم، فخافوا جداً، وصرّح بنو إسرائيل إلى الربِّ، وقالوا لموسى: أمِنْ عدم القبور بمصر أتيتَ بنا لنموت في البرية؟! ماذا صنعتَ بنا فأخرجتَنا من مصر؟ أليس هذا ما كلّمناك به في مصر قائلين: دَعْنا نخدُم المصريين، فإنه خيرٌ لنا أن نخدم المصريين من أن نموت في البرية؟! فقال موسى للشعب: لا تخافوا، اصمدوا وتعاينوا الخلاص الذي يُجريه الربُّ لكم، فإنكم كما تَرَوْن المصريين اليوم لن تعودوا ترونهم للأبد. الربُّ يحارب عنكم وأنتم هادئون.
وحين قادهم موسى عليه السلام عقب الخروج من مصر، وعقب ما رأوه من آيات الله الكبرى لهم في إنجائهم من فرعون وجنده إلى مشارق الأرض المقدّسة، وبعد أن أرسل منهم رجالاً تعرَّفوا له على البلاد وسُكانها، عَزَم على فتحها وقال لقومه: ادخلوا الأرض المقدّسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين (لكنهم تخاذلوا وضَعُفوا وجَبُنوا عن لقاء القوم، وقالوا لنبيِّهم: (إنَّ فيها قوماً جبّارين، وإنّا لن ندخلها حتى يخرجوا منها، فإنْ يخرجوا منها فإنا داخلون)(المائدة: 22 ) ولمّا شجَّعهم رجلان منهما على الجهاد والتوكل على الله، قالوا لنبيهم بوقاحة منقطعة النظير: يا موسى، إنا لن ندخلها أبداً ما داموا فيها، فاذهب أنت وربك فقاتلا، إنا ها هنا قاعدون ((المائدة: 24).
إن القرآن العظيم يقول للمؤمنين عن اليهود: {لن يضروكم إلاّ أذى وإن يقاتلوكم يولّوكم الأدبار ثم لا يُنصرون (آل عمران:111، ويقول: (ولتجدَنّهم أحرصَ الناس على حياة، ومن الذين أشركوا، يودُّ أحدُهم لو يُعمّر ألفَ سنة، وما هو بمُزَحْزحه من العذاب أن يُعمَّر، والله بصير بما يعملون)(البقرة:96).
ولقد تساءلنا سابقاً عن سرّ بعض الانتصارات التي حصلت للجيش اليهودي في دولة إسرائيل على العرب في هذا الزمان؟ ولا بأس أن نعيد طرح سؤالنا السابق بهذه الصيغة:
كيف تحوّل الجبانُ الذليلُ إلى مُعْتدٍ شرس؟ كيف استطاعت إسرائيل أن تفرض نفسها على هذه الأمة، وتُمْلي عليها شروطها، وتهزمها في عدد من المواجهات، لا سيما في حرب 1967؟!
وأسوق الجواب عن هذا السؤال باختصار في الأسطر الآتية:
إنَّ إسرائيل قد صمّمت ولا تزال على أن تهزم العرب، وإنّ العرب قد صمّموا ولا يزالون على أن يبقوا منهزمين!! إنّهم قد آثروا الاستسلام الذي سمّوه زوراً وبهتاناً: سلاماً، وارتاحوا إليه!!
إنّ إسرائيل لم تغفل عن أسلحتها أبداً، قد أعدّت لمواجهة العرب كلَّ سلاح فتاك، لكن العرب لم يُعِدّوا لعدوِّهم القوة اللاَّزمة، وهم لمّا توفّر لهم السلاح - أحياناً- لم يستعملوه مع عدوهم كما ينبغي، بل فرّطوا فيه وأضاعوه رخيصاً، وما تدمير سلاح الجو في مصر، وما تسليمهم لمئات الدبابات التي لم تقاتل فوق أرض سَيْناء في حرب حزيران 1967... ما كل ذلك منا ببعيد!!
إنَّ الجبان الذليل يقاتلنا في قُرى محصَّنة ومن وراء جُدُر، يقاتلنا في الطائرات الحربية الجبّارة التي تزوّده بها أمريكا، وبالصواريخ المدمِّرة المبيدة، التي يعزُّ اصطيادها!! وفي الدبابات المحصَّنة التي تواجه العدو عن بُعْد، وتُخفي جنودها.
إن المقاتل المسلم الشجاع المستميت فُرض عليه أن لا يقاتل عدوّه، لقد حيل بينه وبين مقاتلة هذا العدو وإنزال النكاية به بمعاهدات الاستسلام وبالهزائم التي كبّلت يديه، وبالسجن والمطاردة، والاتهام بشتّى الاتهامات!!
لقد خَلا الجو للمقاتل اليهودي لِيُعَرْبِد فوق أرضنا وبحماية منّا!!
وإذا ما خلا الجبانُ بأرضٍ
طلب الطعنَ وحده والنِّزالا
لكلّ هذا تحوّل الجبان الذليل إلى معتدٍ شرِس متفوّق!!
إنَّ اليهود كانوا وما زالوا وسوف يبقَوْن جُبناء أذِلاّء، وإنّ الخوف من المنازلة الصادقة مع عدوّهم يملأ قلوبهم!! واقرأوا إن شئتم كتابَ «مكان تحت الشمس» لرئيس الوزراء اليهوديَّ الحالي الشَّرس (بنيامين نتنياهو)، لترَوْا الخوف الشديد الذي يملأ قلب هذا الرجل على نفسه وعلى قومه وعلى دولته الباغية، ذلك الخوف الذي يسكن في كل سطر من أسطر كتابه!!
إنَّ الشخصية اليهودية شخصية جبانة، تعشق الحياة وتكره الموت، تقاتل عن بُعْد بالحديد المحصَّن والقذائف بعيدة المدى. وإنّ المسلم الشجاع الذي يريد أن يثأر لكرامته ولكرامة دينه ووطنه قد فُرض عليه أن لا يقاتل هذا العدو مواجهة ليُريه مَن هو، ومن هنا كان البلاء وكانت الهزائم.
لقد أتيح للمسلم الشجاع المِقْدام أن يُظهر بطولته في حرب غزة الأخيرة التي كان النصر فيها حليف المجاهدين الصابرين الذين تميّزوا بحُسْن الصلة بالله بالإضافة إلى حُسْن الإعداد، وكانت هزيمة مذلّة لليهود رغم التفاوت الهائل في القوة العسكرية... ولكنَّ السياسة الغبيّة فيما بعد أضاعت عظمة هذا الانتصار!!
إنَّ على المسلمين أن يواجهوا اليهود من جديد بالشجاعة التي عُرفوا بها في التاريخ حتى تنجلي الحقائق، ويعرف المسلم قدْره، ويعرف عدوه قدْره أيضاً.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة