قد أفلح من زكّاها
كتب بواسطة بقلم: أمينة أحمد زاده
التاريخ:
فى : المقالات العامة
2626 مشاهدة
خلق الله الإنسان، وكرّمه بنور العقل وشفافية الروح وجعله قادراً على التمييز بين الخير والشر، والهدى والضلال، والسعادة والشقاء. وطالبه بعد ذلك بإصلاح نفسه والسعي لتزكيتها ورفدها بالإيمان والعمل الصالح وتنقيتها من أدران الشِّرك والمعاصي والارتقاء بها في مدارج الكمال الإيماني والسموّ الأخلاقي، قال تعالى: (ونفسٍ وما سوّاها * فألهمها فُجورها وتقواها* قد أفلح مَن زكاها * وقد خاب مَن دسّاها...) فمن طهر نفسه من الرذائل والأخلاق الدنيئة، وتغلّب على نوازعها الأمّارة بالسوء فقد أفلح وفاز، ومن دسّها ودنّسها وأهملها بالمعاصي وترك طاعة الله عز وجل فقد خاب وخسر.
إنّ أحكام الشريعة ترتكز على تزكية القلب من الأمراض والرذائل وتحليته بالفضائل والأخلاق الحميدة؛ كالتّوحيد والإخلاص والصبر والتواضع والخوف والرجاء...
وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا إنّ في الجسد مُضغة إذا صلَحت صلَح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» رواه مسلم.
وعندما يتعلق القلب بأهواء الدنيا ولا يتحرر من أَسْرها فإنها تغرس فيه شتى الأمراض القلبية التي تُعتبر من أعظم الآفات الخطيرة في حياة المسلم، فيُبتلى القلب بالكبر والحسد والبُغض والعُجب والظلم وشتى الضغائن والأحقاد، ويتغلب الشُّح على النفس فيشيع فيها الزهد بالآخرة ومثوبتها، ويقل الخوف من عقاب الله وعذابه. وعندها يكون سبيل الهلاك؛ فتتصدع وحدة المسلمين، ويأكل بعضهم بعضاً بنيران العداوة والبغضاء، فيجني العدو ثمرة ذلك قهراً وبطشاً.
وفِطام النفس عن شهواتها وأهوائها يحتاج إلى مراقبة دائمة وخوف من الله عز وجل ويقَظة في الضمير: (وأما مَن خاف مقام ربِّه ونهَى النفسَ عن الهوى فإنّ الجنةَ هي المأوى). كما أنه يحتاج إلى صبر ومصابرة لأن طريق الوصول إلى الكمال ليس مفروشاً بالورود والرياحين؛ فطريق الإيمان تنبت على جوانبه الذنوب والآثام، وتتنوّع المطامع والنزوات، والرغائب والشهوات التي تعترض طريق السالكين إلى ربهم سبيلاً. يقول صلى الله عليه وسلم: «حُفّت النار بالشهوات وحُفّت الجنّة بالمكاره» رواه مسلم أيضاً.
إن حياة الإنسان صراع بين الخير والشر، والهدى والضلال، وعندما يقوى الخير وينتصر الهدى يرتبط المؤمن بالمنهج الرباني فتستيقظ التقوى في القلوب.. التقوى بكل معانيها، لترفرف على المشاعر والخواطر، وتسكب في قلب المؤمن الرضا والاطمئنان واليقين والثبات... والإنسان المتحرر بالعبودية الخالصة لله عز وجل أقدر على صيانة حياة حُرّة نقية طاهرة، داحراً مكايد الشيطان، مستعلياً على أهل الباطل والضلال وقُوى البغي والعدوان.
كما أن العبادات بمفهومها الشامل هي التي تجدد الإيمان بالله عز وجل، وتُحيي الضمير، وتعصم الإنسان من الانزلاق الخُلُقي، وتحفظه من نفسه الأمّارة بالسوء: (إنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر).
وليس أنفع ولا أهدى للنفس من تلاوة كتاب الله ومداومة الذكر؛ فهما ربيع القلوب وجِلاء الأحزان وذهاب الهموم. فمناجاة الله تقوّي العزائم وتُرهف المشاعر والأحاسيس، كما أنّ فِعل الطاعات واجتناب المحرّمات يسْمُوان بالنفس ويعرُجان بها إلى معارج القدس والكمال.
كما أن القدوة الصالحة الطيِّبة لها أثر كبير في نفس الإنسان وفي نجاحه، إذ صحبة الأخيار تُعين على تربية النفس وتزكيتها والبُعد عن كل ما يضُرُّها ويُهلكها، قال الإمام عليّ رضي الله عنه:
فــكــم مـــن جاهــلٍ أرْدى
حــلــيــمــاً حــيــن آخــــــاهُ
يُـــقــــاس الـــمــرء بــالمرء
إذا مـــا الــمـــرء مــاشـــاه
وتزكية النفس فيها العلاج في الدنيا والنجاة في الآخرة؛ حيث يجد المسلم في قلبه النور فيشعر بالراحة والسكينة والاطمئنان والانشراح: (هو الذي أنزل السَّكِينة في قلوبِ المؤمنين ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم).
فهؤلاء العباد تبقى نفوسُهم راضية، وقلوبهم بالإيمان عامرة، وصدورهم من الحقد والغِشِّ خالية، وضمائرهم بالخير نابضة؛ بهم يستقيم أمر الدين والدنيا ويحقِّق الله لهم وعده ويمكِّن لهم دينهم ويبدّلهم من بعد خوفهم أمناً..
فلتتهيأ النفوس للمراقبة والخشية والعبودية والتطهر والتضرع.
لتتهيأ تائبة مستغفرة خاشعة. ولتتطهّر من أدران الخطايا وأرجاس الدنايا، مخلصةً النوايا صادقة الطّوايا، ضارعة إلى الله لتطفئ سُعار الشهوات والبلايا.
وما أحوجنا نحن المسلمين إلى أن نجدد دائماً إيماننا بالله عز وجل عقيدة ومنهاجاً وسلوكاً.
وما أحوجنا إلى قوة الروح تدفعنا وترفعنا، وما أحوجنا أن نتلمس حياة الرُّوح في الرَّوْح الذي يُحيي الحياة ويحرِّكها في قلوبنا وواقعنا لنكون شهداء على الناس كما يكون الرسول علينا شهيداً.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن