العالم العربي ... قطارٌ يمضي ومحطات تتهاوى!
كتب بواسطة بقلم سهاد عكيلة
التاريخ:
فى : المقالات العامة
621 مشاهدة
ما زال قطار العالم العربي ماضياً في طريقه...
ها هو يتوقف عند المحطة السودانية: حيث مؤامرة تقسيمه قد نُفذت بتخطيط صهيوني ورعاية أمريكية... ثم يمضي نحو المحطة المصرية: لينتظر امتداد شرارات القنبلة الطائفية لتعم البلاد كافة... ويتجه إلى المحطة الفلسطينية: حيث مخاطر حربٍ صهيونية جديدة على أبواب غزة، وخلافات مستعرّة بين حراس أمن اليهود في الضفة (عباس – دحلان...)، وشركة أمنية أميركية مشبوهة الأهداف وإمعانٌ في سياسة طمس الهوية الفلسطينية بإخفاء معالم القدس التاريخية والجغرافية وخلخلة تركيبتها الديمغرافية، وحفريات مستمرة تحت المسجد الأقصى... أما قافلة الشهداء هناك فماضية في طريقها... ثم
المحطة اللبنانية: حيث إرهاصات فتنة مذهبية يلوح شبحها في أفق أناس ذاقوا ويلاتها فغدَوْا يترقبون بقلوب تشكو ظلم الساسة والسياسيين... فمحطةالعراق وخارطته المنقسمة على ذاتها، والقطار يمضي... الأردنّ... الجزائر... اليمن... ها هو الآن يَغُذّ السير ليمرّ على بلدان ما زالت نائمة... لكنه توقف فجأة عند المحطة التونسية... هذه المرة الموقف اختلف والمنتظرون ملّوا تلك العادة: "الانتظار"... فغيّروها وأخذوا زمام المبادرة وانتفضوا... إنه الحدث التاريخي الذي لم يسبق له مثيل في وجدان أبناء جيلنا... أجل قد سبقه إسقاط طاغية العراق، ولكن ليس لذلك السقوط بُعد قيمي لأنه كان على أيدي المحتل بمعاونة عملائه... والفرق كبير.
وهنا يحق للقطار أن يتوقف ليشهد تهاوي أحد أبرز رموز دكتاتوريات القرنين 20 و 21، لكي يَرْقبه وهو يلفظ أنفاسه ما قبل الأخيرة في محاولة لاستنقاذ سلطانه حفاظاً على دفء "الكرسي" ونعومته... فمفارقته بعد 23 عاماً أمر شاقّ على نفسه حتى لو بذل في سبيله بقايا كرامته. ليشهد ومعه العالم آية من آيات الله سبحانه في ذلك المجرم: {يُعزّ مَن يشاء ويُذل مَن يشاء}؛ كم أذلّ رجالاً من خيرة أبناء تونس؟ كم كتم من أنفاس؟ كم اضطهد من مصلّين ومن محجبات؟ كم حارب اللهَ ورسوله؟ كم ضيّع من مستقبل شباب واعدين في ظلام السجون؟ كم نهب من ثروات وخيرات؟ كم نفى من خَلْق...؟ ها هي الأرض الطاهرة تلفظه فلا يجد له مكاناً... ليُعلَّق بين السماء والأرض ذليلاً مستجدياً أسياده... عسى أن يجد لديهم مكاناً يُؤويه، فلا يؤذن له... سبحانك ربي... أين القصور؟ أين الجاه والسلطان؟ {كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ، وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ} فما حفظ نعمة ربه ولا رعى حرمة لمن استؤمن على رعايتهم...
تقول صحيفة ليبراسيون: ... نظام (بن علي) لم يكن إلا "نظاماً زائفاً"، وكل الذين دعموه باسم السياسة الواقعية أغبياء, وعليهم الآن أن يوضحوا لماذا سقط الذي كانوا يَعُدّونه حصناً متيناً ضد الإسلاميين مثل قصرٍ من ورق"؟!
إن إزاحة ذلك الطاغية لم تكن بلا ثمن... فقد أُزهقت أرواح وسالت دماء... ولكن الثمار كانت تستحق ما بُذل:
وللحرية الحمراء بابٌ بكلِّ يدٍ مضرَّجةٍ يُدَقُّ
وهذه الفاتورة التي سددها الشعب التونسي لا يجوز أن تُهدر باحتواءٍ من رموز العهد البائد، ولا بغزَلٍ خارجي لا يبغي سوى المزيد من تفكيك العالم الإسلامي مستفيداً من نقاط ضَعفه حتى تسهل السيطرة عليه؛ فها هو مؤسِّس الكيان الصهيوني ديفيد بن غوريون في سياق تحديده لاستراتيجية ذاك الكيان يقول: "نحن شعب صغير, وإمكاناتنا ومواردنا محدودة, ولا بد من العمل على علاج هذه الثغرة في تعاملنا مع أعدائنا من الدول العربية, من خلال معرفة وتشخيص نقاط الضَّعف لديها، خاصة العلاقات القائمة بين الجماعات العرقية والأقليات الطائفية, بحيث نُسهم في تعظيمها, لتتحول في النهاية إلى معضلات يصعب حلّها أو احتواؤها".
إنّ الحفاظ على تلك المكتسبات له شروطه التي يجب أن تتوافر ليس فقط في شعب تونس المتحرر حديثاً، وإنما في جميع الشعوب التي تتطلّع بلهفة إلى التحرر وتخطط له:
1- عدم اعتبار سقوط الطاغية نهاية الغايات؛ فما هو إلا بداية المعركة التي يجب أن يستتبعها تطهير لذيوله، فلا يُلدغنّ الشعب من الجُحر نفسه بعد اليوم، ولا يغترّنّ بتغيُّر الأسماء وتبديل المواقع، قال تعالى: {وخذوا حِذْركم...}.
2- متانة التأسيس: قال تعالى: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}؛ فعقود من التخريب والقمع والتدجين... دمّرت الحياة الإنسانية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية في تونس، مما يُحتِّم إعادة التأسيس... فليحذر الذين ستُناط بهم مسؤولية إعادة هيكلة البلد أن يؤسسوها على مبادئ تُمعن في حَرف الناس عن وجهتهم الصحيحة... عن الأساس الذي يحفظ لهم أمنهم وكرامتهم وعقيدتهم. وعلى العلماء والدعاة الصادقين والتيار الإسلامي بتنوّع فصائله الصادقة مسؤولية توجيه الناس بحكمة ورحمة - الشباب منهم خاصة - وبذل الجهود المتكاتفة من أجل إعادة دين التوحيد - هذه الهدية التي وهبها الله للعرب ولسائر العالمين مِنْ بعدهم - إلى واقع حياتهم وبث اليقين في نفوسهم بأنه لا صلاح لبلادهم ولأركان حكمهم إلا بإقامة حكم الله وسياسة الناس وفق شرعه وجعله المرجعية الأولى والأخيرة في إدارة شؤون الدولة والمجتمع... أدرك ذلك كثيرون من غير المسلمين ونحن أحرى بسرعة الفَهم والاستجابة منهم؛ يقول الكاتب الإنكليزي برنارد شو: لو كان محمد - نبي المسلمين - بيننا الآن, لحل مشاكل العالم وهو يحتسي فنجاناً من القهوة .
3- إقامة العدل؛ فالعدل هو الذي يحقق الأمن، ويقابله الظلم الذي يشيع الفوضى بين الناس، قال تعالى: {اعدلوا هو أقرب للتقوى}، وقال: {إن الله يأمر بالعدل...}. وإذا لم يتم إرساء العدل منذ اليوم الأول للحكم الجديد، فإن مكتسبات الثورة ستذهب هدراً! يقول رسول كِسرى إلى الخليفة الراشد عمر ابن الخطاب عندما بحث عنه فوجده مستظلاً في ظل شجرة وقد نام قرير العين من غير حُرّاس ولا عتاد: حكمتَ فعدلت فأَمِنت فنمتَ يا عمر... فكان مدرسة في قيادة الأمة جدير بكل قائد أن يتتلمذ فيها.
4- عدم الاغترار بالحكم: فلا يخطفنّ بريق السلطة والكراسي أبصار روّاد الثورة والحكام الجدد للبلاد، ولا تذهبنّ بهم نحو أتون الفرقة والتصارع على الحكم... فالمصير ذاته بالانتظار مهما طال العهد وظنّ الناس أنهم قد تمكنوا واستحكموا بالعباد، و"لو دامت لغيرك ما وصلت إليك".
***
ما حدث لعله يكون عبرة لتلك الرؤوس التي أينعت... تلك الكيانات الهشّة التي نخرها سوس فسادها وظلمها وجبروتها، ها هي اليوم آيلة للسقوط... وما على الشعوب إلا أن تتخذ قرارها... ولا تنتظر احتراق شبابها حتى تثور، ولتتأكد بأن الحقوق لا تُستجدى... إنما تُنتزع انتزاعاً.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة