حين يستنجد أبناء القذافي بعلماء الدين
لِنَجلَيّ القذافي (سيف الإسلام، والساعديّ)، سيرة طويلة مع العلماء والمشايخ، إذ أقام الأوّل علاقات مع عدد منهم في سياق مِن ترتيب الأمر لخلافته، ومن أجل إسكات أصوات المعارضة في ليبيا (يشمل ذلك الحوار مع الإخوان وترتيب المراجعات التي أجرتها الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة). أما الثاني فقد باع تبنيه المنهج السلفي على عدد من رموزه، أعني السلفي التقليدي، وصبّ على بعضهم المال، الأمر الذي لا يخرج عن سياق تبني التيار لمقولة طاعة ولاة الأمر، من دون النظر لتصرفات بعضهم المالية والأخلاقية، ولا حتى لموقفهم من الدين وتشريعاته ما داموا يأذنون بالصلاة.
خلال السنوات الماضية قام الرجلان (سيف الإسلام والساعدي) باستضافة عدد من المشايخ في ليبيا، وأقاموا لهم الاحتفالات والمحاضرات، لاسيما المشهورين منهم، ونحن هنا لا نشكك البتة بأولئك العلماء، فهم فعلوا ما رأوه صوابًا، وتحدّثوا عما شاهدوه خلال زيارة مبرمجة، كما أن المرحلة السابقة كانت تتقبل الحديث عن الإصلاح بالطرق التقليدية، وبالطبع في ظل حالة يأس سادت في أوساط النخب من تغيير الأوضاع القائمة.
وفي حين لم يرحب مخلصون من أبناء الأمة بأيٍّ من تلك الزيارات (كان من بينها زيارات قام بها علماء لتونس أيضًا) ، وبالطبع إدراكًا لمراميها من زاوية نظر السلطة السياسية، إلا أننا لا نميل إلى استعادة تلك الحقبة بالنسبة للذين أخذوا موقفًا جديدًا مما يجري. أقول ذلك تبعًا لما نتابعه في منتديات الإنترنت من هجاء للمشايخ والعلماء الذين زاروا تلك البلدان ، مع التذكير بأنهم ليسو سواءً في منطلقاتهم.
خلال الأسبوعين الماضيين سعى أبناء العقيد إلى الحصول على الثمن من أولئك العلماء، والثمن بالطبع هو فتاوى تدين ثورة الشعب الليبي ضد الظلم، على أمل أن تسهم في دفع الناس إلى "العودة إلى جادة الصواب، وإعلان الطاعة لولي الأمر العظيم".
في هذا السياق اتّصل الساعدي القذافي بالشيخ الداعية المعروف (عايض القرني)، فكان الرد جيدًا وواضحًا من الشيخ، الأمر الذي تكرّر عندما اتصل سيف الإسلام بالعالم المعروف الشيخ سلمان العودة، مع الإشارة إلى أن مواقف الشيخ الأخيرة كانت كلها تصب في صالح حراك الأمة ضد الظلم، الأمر الذي ينسخ كثيرًا مما أخذه البعض عليه خلال السنوات الأخيرة، ما يشير إلى أن الشيخ كان مجتهدًا ولم يكن منتفعًا مثل كثيرين يميلون مع السلطة حيث تميل، وقد كان ثمن مواقفه الأخيرة الأولي وقف برنامجه الشهير على فضائية إم بي سي (الحياة كلمة).
في مقابل الشيخين، وربما آخرين لم يعلنوا أن أحدًا قد اتصل بهم، وآخرون اتصل بهم التلفزيون الليبي الرسمي (الشيخ محمد العريفي قال ذلك مشيرًا إلى رده العنيف جدًا لهم)، في مقابل هؤلاء كان هناك عدد آخر من المحسوبين على العلم ممن ذهبوا في الاتجاه الآخر، وراحوا يطالبون الناس باعتزال الفتنة، ورفض الخروج على الحاكم، وأكثرهم ينتمون إلى المدرسة السلفية التقليدية التي نمت كثيرًا خلال الألفية الجديدة بفعل تبني الأنظمة ورعايتها لها.
جاءت الاتصالات التي أجراها أبناء القذافي بعد الفتوى الجريئة التي أعلنها العلامة الشيخ يوسف القرضاوي على الهواء مباشرة، والتي أباح فيها قتل القذافي بعدما قتل أبناء شعبه، ومن أجل حقن المزيد من الدماء، ولا شك أن الفتوى قد أصابتهم بالذهول لأنها تعني أن رصاصة قد تنطلق في اتجاه أبيهم في أية لحظة من أحد المقربين منه.
لا شك بالطبع أن الاتصالات إياها تعكس إدراكًا لأهمية مواقف العلماء في الصراع الدائر في ليبيا، وفي عموم قضايا المنطقة، الأمر الذي يعود إلى الصحوة الدينية الواسعة الانتشار في العالم العربي والإسلامي.
الحمد له الذي خيّب آمال القوم، ولم يحصلوا من أحد من العلماء المعتبرين على ما يشفي غليلهم (حصلوا من أناس يظن بعضهم أنه أعلم من أبي حنيفة، والأسماء معروفة)، مع أني أؤمن أن من فعل ذلك سيسقط من عيون المؤمنين، لأن مسألة من هذا النوع لا تستحق فتوى، بقدر ما تتطلب موقفًا، فأمثال القذافي لا يحتاج الخروج عليهم، فضلاً عن الاحتجاج السلمي، إلى فتوى من أحد، اللهم إلا إذا كان ديننا دينَ ذُلّ وخنوعٍ وظلمٍ وحمايةٍ للفساد والفاسدين، وحاشاه أن يكون، هو الذي جاء ليخرج "العباد مِن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومِن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومِن جَوْر الأديان إلى عدل الإسلام" كما قال الصحابي ربعي بن عامر لرستم زعيم الفرس.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن