لا مجاملةَ بعد اليوم (2) يا أهل دمشق: دمشق تشكوكم إلى الله
يا أهل دمشق: أأيقاظٌ أنتم أم نيام؟ أعُمْيٌ أنتم فلا تبصرون الدمَ يُهراقُ على أرض الشام؟ أَصُمٌّ أنتم فلا تسمعون استغاثات الأرامل والأيتام؟ البلاد تحترق وأنتم غارقون في الملاهي والأوهام! كيف تنام عينٌ في دمشق والأخ القريب يُذبَح ويُستباح في حمص وفي غير حمص؟ مَن نام وإخوانُه الأقربون لا ينامون فلا قَرَّتْ عينُه بمنام!
أعلمُ أن في دمشق آلافاً وآلافاً من الأحرار والحرائر الذين واللائي ما يزالون يقفزون من حي إلى حي ومن منطقة إلى غيرها، يحملون هَمّ الثورة وعبء الثورة ويدفعون ضريبتها صبراً على التنكيل والاعتقال؛ ليس خطابي لكم يا أيها الأبطال، لقد طلبتم الكرامة وأغليتم المهر، ما عليكم عتبٌ ولا يُقال فيكم إلا خيرُ مَقال. وأعلم أن في دمشق آلافاً وآلافاً من العبيد الذين رضوا ببشار إلهاً معبوداً من دون الله وهم له عُبّاد، أو اختاروه سيداً وهم له عبيد؛ أولئك لا أكترث بتوجيه الخطاب إليهم لأن البهائم تعقل -لو أن البهائم تعقل- وهم لا يعقلون!
إنما أخاطب مليون دمشقي من الصامتين ومن النائمين. أين أنتم يا مليون دمشقي نائمين في البيوت؟ إلى كم تصمتون وإلى كم تنامون؟ إن النار شَبَّتْ في الدار، فهل ينام امرؤ قريرَ العين والنارُ تأكل عفشَ الدار؟ إن ما يجري حواليكم من مِحَن يُنطق الحجر الصلد، فما لا لكم لا تنطقون؟ أقلوبكم أصلد من الحجر؟ أماتت النخوة في قلوبكم أم ماتت القلوب؟
لقد رأيتكم في مظاهرات الشعلان وغير الشعلان: النساء يُضرَبن أمام أعينكم، وأمام أعينكم تُجَرّ من شعورهن البنات، فلا تبالون ولا تتحركون إلا واحداً من كل خمسين. وماذا يفعل الباقون؟ الباقون تستحي منهم دمشق، بل تخجل منكم الرجولةُ يا أشباه الرجال. نساؤكم يُضرَبنَ أمام أعينكم ويُسحبنَ من شعورهنّ ولا تبالون؟ برئت منكم دمشقُ وبرئ من أمثالكم جنسُ الرجال.
يا أيها الصامتون النائمون من أهل دمشق: دمشق تشكوكم إلى الله، وأنا أشكوكم إلى الله، ويشكوكم إلى الله كلُّ سوري حرّ أبيّ يعيش في المحنة ويراكم نائمين صامتين.
يا أهل دمشق: أنا لا أفتي لأني لا أبلغ أن أكون طالب علم، ولكني سأتصدر الليلةَ للإفتاء، فاسمعوا مني هذه الفتوى حتى يأذن الله لعلماء دمشق الصامتين أن ينطقوا بها (لو أنهم ينطقون): إن الخروج إلى الشوارع -ثورةً على النظام الظالم- فريضةُ عين على كل قادر منكم، فيأثم من يقعد في بيته وهو قادر على الخروج، إلا أن يكون له عمل آخر يقدمه للثورة، كأن يكون ناشطاً في الخدمات الطبية أو الإغاثية أو الإعلامية أو سواها من الأعمال. إخوانكم في عامة سوريا يُعذَّبون ويُقتّلون، وسوف تطول محنتهم ويسقط منهم المزيد في كل يوم تتأخرون فيه عن نصرتهم. اعلموا أن نصرتهم واجبةٌ عليكم، وأنكم تؤاخَذون بتأخركم وتقاعسكم وقعودكم وصمتكم، فتحملون في رقابكم في كل يوم يمرّ حصةً من دم شهيد جديد.
ولا تظنّوا أن صمتكم يعصمكم من سوء المصير. في يوم آتٍ، قريب أو بعيد، سوف تتحرر مناطق سوريا الثائرة وتبقون وحدكم في القيود، لن يهتمّ بكم أحد ولن يقف معكم أحد. ولماذا يفعلون؟ أليست الدنيا دَيْناً ووفاء؟ فماذا قدّمتم للآخرين حتى تطلبوا من الآخرين القضاء والوفاء؟
يا أهل دمشق: إنكم تَزِرون وِزْرَ كل نفس يُزهقها النظام الآثم لأنكم تطيلون بقعودكم عمرَه وتمدّون له في الأجل، فإن يكن النظام قاتلاً فأنتم في القتل شركاء، وإن يكن مجرماً فأنتم مثله مجرمون.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن