سويديون وسويديات يعِيشون مع القرآن (1/2)
لم أعجب في حياتي من شيء أكثر من عجبي من إقبال غير المسلمين على كتاب الله تعالى وتمسّكهم به، وذلك قُبيل وبعد اعتناقهم الإسلام، على الرغم من عدم فهمهم وإلمامهم للغة العرب، بل يتدارسون القرآن من خلال الترجمات المتوفرة لِلُغاتهم الأجنبية.
أذكر في هذا السياق ما رأيته وعايشته بنفسي من خلال قومٍ ما زلتُ لا أستوعبُ إلى الآن كرامةَ دخولهم في دين الله أفواجاً.. أقصد بذلك أحفاد الفايكينغ السويديين والسويديات في شمال أوروبا.
مسلم جديد شغله القرآن عن المحاضرة!
على منبر المسجد الإسلامي في مدينة "يونشوبينغ" السويدية وقفتُ أودّعُ الناس بخطبة جمعة أخيرة قبل مغادرتي حدّثتهم فيها عن أهمية تركِ أثرٍ طيّب في المجتمع السويدي وخاصة في دعوة السويديين إلى الإسلام.. وأخبرتهم أنهم سفراء الإسلام في تلك الديار.. وأن أسرع طريق لذلك هي "الدعوة الصامتة" أي الدعوة بالقدوة. ثم دعوتُ الله تعالى وبشّرتهم – ثقة بوعد الله - أنّ هذا المركز سيمتلئ يوماً ما بعباد الله السويدين.. وما أن نزلتُ من على المنبر حتى همس لي أحد مسؤولي المركز أن شاباً سويدياً يرغب الآن في إعلان إسلامه.. "لقد استجاب الله لدعائك قبل أن تخرج من المسجد" كلمات ما زالت ترنّ في أذني حامداً الله تعالى على تلك النعمة.
كان إشهار إسلام ذلك الشاب حدثاً كبيراً حرك المشاعر في نفوس المسلمين في المسجد وكذلك ترك أثراً طيباً في نفسية الشاب الذي لقي حفاوةً لم يعرفها في حياته من قبل.
في اليوم التالي حين كنتُ أُلقي محاضرة شبابية في المركز الإسلامي نوّهت بإسلام الشاب السويدي ثم سألتُ الشباب لماذا لم تتم دعوته للمحاضرة؟ فأجابني الشاب الذي جعله الله سبباً في هدايته أنه تمت دعوته بالفعل إلا أن الشاب لم يحضر بسبب سهره طول الليل عاكفاً على النسخة المترجمة للمصحف التي أُهديَت له في المركز الإسلامي.
هذا نموذج لشاب أقبل على دين الله تعالى فأراد أن يعرف ما في كتاب الله من اليوم الأول، فعكف طول الليل يقرأ ثم يتصل بصديقه ليستفسر عن بعض الأمور مستوضحاً.. ولطالما سألت نفسي وغيري: مَن منّا يعرف ويعي ويفهم ما في كتاب الله.. وقد مضى من أعمارنا السنوات الطوال؟ أفلا يستحق ذلك منا وقفة جدّية في إعادة الصلة بكتاب الله تعالى بعيداً عن الصلة التقليدية من تلاوة ختمة في رمضان لمن هو أحسننا حالاً.. إلا من رحم الله؟
ميكائيل البكّاء لسماع آيات الله!
ميكائيل رجل سويدي في أوخر الأربعينات من العمر شرح الله صدره للإسلام، واختار اسم "عبد الكريم".. وهو أستاذ جامعي يُدرِّس الإعلاميين فنون الإعلام المعاصر وخاصة ما يتعلق بالإذاعة والتقنيات الصوتية.
اذهلني وأدهشني حب هذا الرجل لسماع كلام الله تعالى.. ومدى رقّة قلبه وغزارة دمعه حين سماع آيات الله تُتلى.. ففي يومٍ دعاني لتسجيل تلاوة لبعض الآيات والسور المختارة التي كان ينوي بثّها عبر إذاعة سويدية محلية ضمن برنامج رمضاني.. فاجتمعنا في المسجد في غير وقت الصلاة لنقوم بتلك المهمة.. فما إن باشرتُ بالتلاوة حتى تغيّر حاله ورقّ قلبُه وذرف دمعُه.. وكنتُ أقرأ بطلب منه (إنا أنزلناه في ليلة القدر)، فطلب مني أن أكررها ففعلت وهو مستغرق في بكائه تأثراً بآيات الله.. ثم طلب مني أن أكررها مراراً.. فسألته إن كان هناك خلل ما الأداء أو التسجيل.. فأخبرني على استحياء أن التسجيل ممتاز.. إلا أنه يحب أن يسمع هذه السورة وأنّ قلبه معلّق بها!
هذه قلوبٌ تعلقت بالله.. وبكتابه.. تعيش مع كلامه بكل وجدانها.. على الرغم من أعجمية لسانهم.. وصعوبة فهمهم للّغة العربية.. تُذكّرنا بالرعيل الأول من الصحابة والتابعين وعيشهم مع كتاب الله تعالى حبّاً وتأّثراً وفهماً وتدبراً.. نسأل الله تعالى أن يبارك لنا في القرآن العظيم.. وأن يكرمنا بما أكرمهم..
المصدر (موقع: القرآن لك).
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة