مفارقات بين رمضان الأمس واليوم
رمضان الأمس كنا في عالم المجهول، ورمضان اليوم صرنا في عالم المعقول.. رمضان الأمس كنا دولة يحكمنا العسكر مائة بالمائة، ورمضان اليوم انتخب لأول مرة رئيس مدني حافظ، أستاذ جامعي نابغ، وإداري وسياسي شجاع، وينازعه المجلس العسكري صلاحياته، واستعمل القضاء في إرباك المشهد السياسي، وإطالة عمر التحكم في مفاصل البلد.. لكن الله تعالى لهم بالمرصاد، وسيُلحقون بمن اختارهم على منهاجه ومعاييره في الاستبداد والفساد.
رمضان الأمس كان قصر العروبة خاويًا على عروشه منذ خلع الشعب حسني باراك، وقبله كان القصر وكرًا للمؤامرات على الشعب المصري عامة والإسلاميين خاصة، وعلى الشعوب العربية والإسلامية عامة وأهل غزة خاصة، وكان من يُضبط مصليًا يروح وراء الشمس.. ورمضان اليوم يعمر القصر الرئاسي قائد منتخَب، يرى نفسه عند الشعب خادمًا، عليه واجبات وليس له حقوق، يلتقي في عشرة أيام بقيادات شعبية من كل شرائح المجتمع العسكرية والشرطية والقضائية والمحافظين ورؤساء الجامعات ونوادي أعضاء هيئة التدريس والعلماء والقساوسة، والداخل يتوازى مع الخارج، والعمرة في السعودية والبكاء خلف إمام الحرم لما قرأ بآية إبراهيم: )وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ( [إبراهيم: 45]. وعاد يومًا واحدًا لمصر ليسافر إلى أديس أبابا ليرأس القمة الإفريقية في عزةٍ تغيِّر وجه التقزيم لمصر، لتضعها في صدارة الأمة الأفريقية والعربية والإسلامية، وغدًا الدول العالمية بإذن الله.
رمضان الأمس كان المصريون في الخارج يتوجسون خيفة من زيارات الرئيس للبلاد التي هاجروا أو فروا من ظلمه إليها، وصار الاعتقاد أن زيارة مبارك لبلد ما شؤم على المصريين بها بل والمواطنين، وأذكر أني لما ذهبت لسلطنة عمان سنة 1995م وجدتُ اعتقالات بالجملة لقضاة ووكلاء وزارات وسفراء ومديرين وكبار المهندسين والتجار بقضية لفَّقها ودبَّجها بل باشر الاعتقال والتعذيب أمن الدولة المصري، ولما جاء مبارك لعمان سنة 1998م اشتكى بعض المصريين من سوء معاملتهم في بعض الدوائر، فقال الرئيس: "أنا معايا مقاعد ع الطيارة اللي مش عاجبه يرجع معايا"! وبعد عودته طلبت مني إدارة الجامعة مغادرة البلاد بناء على الملفات الأمنية التي كان مبارك يطارد فيها شعبه، فاضطررت للسفر لأمريكا عدة سنوات.
ورمضان اليوم لا ينشغل الرئيس محمد مرسي بإفريقيا كلها عن شيماء عادل الصحفية المعتقلة في السودان؛ فيطلب الإفراج عنها، ويفطر معها، ويسألها هل تعرضت لتعذيب أو أذى؟ ويأتي بها عزيزة إلى بلدها مصر الجديدة، مصر التي يجب أن تحترم كرامة المواطن في الداخل أو الخارج، والرسالة لكل بلاد العالم اليوم أن المصريّ ليس مكشوف الظهر، مكسوف القلب، مهيض الجناح، بل كرامته من كرامة مصر والرئيس نفسه.
رمضان الأمس كان مبارك محبوسًا على ذمة التحقيق، ورمضان اليوم محكوم عليه جنائيًّا.. رمضان الأمس كان القذافي يباشر القتل الرهيب والسفك الدنيء، والسب البذيء، ورمضان اليوم القذافي في قبره يلقى جزاءه الأوفى من الله الذي يحكم ما يريد، ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته.
رمضان الأمس كان علي عبد الله فاسد يمسك بخيوط العنكبوت، ويفسد في اليمن ويسفك الدماء، ورمضان اليوم علي عبد الله في ركن مع المتقاعدين البائسين وقد أنهكته الأمراض والتشوهات القلبية والجسدية.
رمضان الأمس كان جزار الأسد يسيطر عن طريق أكابر المجرمين على مفاصل سوريا مع زبانيته من أخيه ووزرائه الظالمين، وشبيحته وأمنه الملاعين، واليوم قُتل أخوه ووزراء دفاعه وقادة قصره، وانشق الكثير من أحرار جيشه، وتدور المعارك في دمشق حول قصر الرئيس، وتُطرح فكرة الخروج الآمن، وسيرحل أو يُقتل قريبًا -إن شاء الله تعالى- بعد أن قُتل أخوه المجرم الكبير ماهر ووزير دفاعه وخمسة من كبار قادة جيش البغاة المفسدين؛ بالسم من جندي من جنود الله هاله هذا الفجور في الإجرام..
ولن يمر رمضان اليوم مع تضرع المظلومين والمخلصين دون أن يكون الأسد يغرق في دمه، أو يقبع في سجنه، أو يهرب من جلده، وأدعو مسلمي الأرض أن يخصوه وزبانيته بالدعاء مرتين: واحدة في السحر عندما ينزل ربنا إلى السماء الدنيا وينادي هل من سائل فأعطيه، والأخرى عند الفطر؛ للحديث الذي أورده السيوطي في الجامع الصغير عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث حق على الله أن لا يرد لهم دعوة: الصائم حتى يفطر، والمظلوم حتى ينتصر، والمسافر حتى يرجع» (حديث حسن).
رمضان الأمس كان المالكي يكيل الاتهامات لكل خصومه، ومنهم نائب رئيس الجمهورية ويدبلج له تهمة تقصم ظهره، واليوم تخرج فضائح المالكي في قتل السنة والشيعة معًا، ويطالب الكثير بمحاكمته وعزله من منصبه، وسيذهب إلى لعنة التاريخ بعد تجريمه على قتل فوق المليون إنسان.
رمضان الأمس كانت أزمة إخواننا في بورما تحت الرماد، ورمضان اليوم يخرج بركان الحقد والغل والظلم والطغيان فتُحرق قرى بكاملها ومن فيها، ولا يتحرك أحد في أمتي في خذلان لا يقلّ عما فعلناه مع أشقائنا العرب في سوريا! وأشعر بالخوف من الله أن يحبط أعمالنا لتخلينا عن إخواننا في فلسطين حصارًا، وسوريا انشغالاً، وبورما لا مبالاة، كما خذلنا شعبنا في العراق وأهلنا في أفغانستان، وأشقاءنا في الصومال، وقومنا في تركستان الشرقية.
أدعوكم أحبابي جميعًا إلى التضرع أن يفيض على مصر وأمتنا العربية والإسلامية بالأمن والأمان، والعزة والاستقرار، وأن يصحب الدعاء الرجاء في الله والأمل مع العمل، مع اليقين التام أن اليوم خير من الأمس، والغد أفضل من اليوم، ما دمنا نفضنا عنا غبار الذل، وعاهدنا الله على أن نعيش بهذه الخماسية: لله عبادة، وللناس رعاية، وللأرض عمارة، وللقانون طاعة، وللسلطة معاونة فيما لا يخالف شرعه، قال تعالى: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج: 40].
ورمضان مبارك من غير مبارك بل بفخامة الرئيس محمد مرسي.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة