من الغباء ألا أفهم...

صواريخ تزلزل ومدافع تحرق! دمار وحطام وخراب في كل مكان! النيران مشتعلة، والناس تجري هلعاً دون هدف وفي كل الاتجاهات يتصادمون أو يسقطون صرعى! ونهر دماء يجري في الطرقات!
وأنا أَجْري وأجري، ألهث ويتعالى صوت ضربات قلبي.. ثم، وجدتُ غير بعيد شيئاً يشير إليّ بيديه كي أذهب إليه، ولما وصلت إليه وجدته شبحاً أمسك بي!! حاولتُ الصراخ فلم أستطع، جاهدتُ وجاهدتُ حتى استطعت وعَلا صوتي طالباً النجدة.
حضرتْ أمي مسرعة على صوت صراخي.
ما بك يا بُني؟
• أعوذ بالله من الشيطان الرجيم! كان حلماً مخيفاً بشعاً!
هل تحصّنتَ قبل النوم؟
• كلا، لم أفعل.
تحصّن حبيبي وعُد إلى النوم.
خجلت أن أطلب من أمي البقاء إلى جواري لأنني ما زلت خائفاً، وما زال الحلم في رأسي كأنه حقيقة.
قالتْ لي أمي: تحصّن. وما عرفَتْ أنني لم أصلِّ المغرب ولا العشاء!
يا إلهي، حلم مخيف زلزل أركاني، فكيف بأهوال يوم القيامة؟ كيف بي في القبر؟ كيف سيكون حسابي وأنا أصلّي فرضاً وأترك عشرين؟!
قمتُ متأثراً، توضأتُ وصليتُ المغرب والعشاء معاً. كانت صلاة متأخرة لكنني أحسستُ بلذّتها، وأحسستُ بخوفي من الله وبرغبتي الشديدة أن يغفر لي، وأن يحبِّب إليّ الصلاة.
وفي اليوم التالي - كباقي الأيام - سمعت أبي يوصي أمي أن تذكِّرني بالصلاة في المسجد في موعدها، وأمي البارّة المطيعة تنفِّذ وصية أبي، وتفعل ما يُمليه عليها حبّها لي وإحساسها بمسؤوليتها ورعايتها، فيؤذِّن المؤذن لصلاة المغرب، وتنادي عليّ أمي للخروج للصلاة، لكنني لم أسمعها لأنني غطيتُ أذنيّ بسماعتين تضخّان الأغاني والأغاني بكل اللهجات واللغات.. وأكتشف أنها كانت تنادي عندما أراها تقف أمامي مستاءة غضبَى تتصبّر!
خرجتُ، ووقفتُ قليلاً أنتظر إقامة الصلاة، فإذا بجارٍ لنا بجانبنا في مثل سنّي تقريباً سكن مؤخراً، يلقي عليّ التحية، يتوكأ على عكاز تحت كتفه الأيسر.
قلتُ له: هل أساعدك؟
• قال: شكراً لك.
سألته: أين تذهب؟
• قال: إلى المسجد.
فتحتُ عينيّ مندهشاً: وحدك؟
• قال: نعم.
عدتُ أسأل: هل أسنُدك وأذهب معك؟
• قال مبتسماً: اذهب معي لكن لا تسندني.
مشيتُ معه الخطوات القليلة إلى المسجد، وفضولي لم يُرحْني، فسألتُه: هل أنت مصاب؟
• فأجاب: أُصبت بحادث سيارة منذ زمن، وتعطلتْ رجلِيْ بعده، فأكاد لا أشعر بها.
صلينا في المسجد صلاة لذيذة كتلك التي صليتُها منذ ليلتين بعد الحلم المخيف.
دخلتُ المنزل، اقتربتُ من حجرة أمي فسمعت صوتها تدعو لي في قنوتها وترجو الله أن يحبِّب إليّ الصلاة وتبكي.
دخلتُ عليها متأثراً وقلتُ: دعاؤك أمي وجارنا والحلم! من الغباء ألاّ أَفهم جميع هذه الرسائل، ومن الحمق ألاّ أتغيّر... من الجحود ألاّ أصلي!
سأرافق جارنا في مواعيد الصلاة، أعدكِ أمي، لكن لا تيئسي مني واستمرّي في دعائك ومساعدتي والصبر عليّ.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يريده القرآن ـ الجزء الرابع
أدباء الدَّعوة في انتظار الـمِظلّة
جواب العلم والدين.. لما تعارض عن يقين!
غزّة العزّة.. مَعلَم وشاهد حضاري للأمّة
ترتيب الأولويات.. وأثرها في تحقيق الذات!