كتاب مفتوح إلى الشيخ معاذ الخطيب
أخي الحبيب: قرأت ما كتبه المهنّئون في الصفحات، فعلمت أن للناس لغة ولأهل الدين لغة، فلمّا جهل عامّةُ الناس الثانيةَ خاطبوك بالأولى، فهنّؤوك على غُرم كان من حقهم أن يعزّوك فيه، ولو اطّلعوا على كتاب صدرك المكنون فربما قرؤوا فيه أنك تفضّل العودة إلى حُبوس الظالمين على حَمل هذا الحِمل الثقيل. فأَعجِبْ بتهنئات في موضع التعزيات!
أخي الحبيب: لقد أوردوك مورداً صعباً وأجلسوك على كرسي لم يجلس عليه عفيف نظيف إلا تلوّث، إلا الأقلّون، فكن من الأقلّين لا تكن من الأكثرين، واستعن بالله واسأله مخلصاً أن تترك هذا الكرسي نظيفَ اليد نظيف الثوب كما وصلت إليه، فلقد عرفك الناس نظيفاً عفيفاً فأحبوك، وسوف يحبونك ما بقيت على ما عرفوك، ولَمَحبة الله خيرٌ وأبقى.
أخي الحبيب: لو أنك استلمت دَفّة هذه السفينة وهي في البحر الساكن لأشفقتُ عليك، فكيف بك وأنت تستلمها في بحر هائج مضطرب مصطخب الموج، قد ضربتها أنواء الفتن وعبثت بها تيارات المؤامرات؟ إني إذن لأشدّ إشفاقاً. إنك تقود الثورةَ وقد بلغت المؤامرةُ عليها الغاية، تآمر عليها الشرق والغرب والعالم كله، فهي أعجوبة الثورات في المؤامرات، وهي أعجوبة الثورات في الصبر والنجاة والثبات.
كن لها خير قائد، لا يخدَعْك الأعداء ولا يستجرّوك إلى أشراكهم الخبيثة. خاب من أُتي الناسُ من قِبَله وفاز من كان الساترَ لهم من دون العدو. فكن الثانية لا تكن الأولى، وأخلِص النية واستعن بالله في اليوم ألف مرة، فلن يعصمك من المؤامرات إلا عون الله.
أخي الحبيب: إنما يُهلك الناسَ المدّاحون، وإن اثنين من بين الناس جميعاً أدنى إلى الهلاك بسببهم، السّاسة والعلماء. فإن المدّاحين ما يزالون يزيّنون لهم أعمالهم ويرفعونهم فوق مقامات الناس حتى يتولد العُجب في نفوسهم من حيث لم يكن. والعُجب آفة كل عمل عام، وهو مهلكة من أوثق المهالك، فإنه يُعمي الأبصار ويصمّ الآذان فتتعطل الحواس ويتردّى المرء في الهاوية من حيث لا يشعر. لن أقول لك "احثُ التراب في وجوههم"، ولكن أقول لك: ذُبَّهم عنك كما يَذِبّ الذابُّ عن نفسه الذبابَ، وأحط نفسك بمن يهديك عيوبك، فإن ناقداً صادقاً خيرٌ من ألف مدّاح.
أخي الحبيب: قرأت بيانك الذي أصدرتَ، ولا يسعني إلا أن أقول لك ما قاله الحبيب المصطفى لذلك الرجل: "أفلح إن صدق". أفلحتَ إن صدقت والتزمت؛ فاطبع بيانك على الورق وانثره حواليك لتقرأه مرة في الصباح ومرة في المساء ومرات بينهما، ففي أيّما لحظة وجدت أنك عجزت عن تحقيق الصواب فلا تكن جسراً إلى الخطأ. الباب الذي أدخلك سيبقى مُشرَعاً للخروج.
أخي الحبيب: ثقتنا فيك كبيرة ومحبتنا لك أكبر وإشفاقنا عليك أكبر من الاثنتين معاً، لا نملك لك إلا الدعاء والنصيحة، أسأل الله أن يقبل الأول وأن يشرح صدرك لقبول الثانية. اللهمّ استعمل عبدك معاذاً في طاعتك، اللهم وفقه واهدِه إلى الحق وثبته عليه، وانفع به الدين والأمة والثورة، واجزه بصدقه وإخلاصه وعمله خيرَ الجزاء.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن