ماذا فعل حزب الله بنفسه... وما هو موقف الآخرين؟
باستثناء النخب اليسارية والقومية التي ما زالت مصرة على المؤامرة الكونية ضد نظام المقاومة والممانعة، فضلا عن الغالبية الساحقة من الجمهور الشيعي، فقد خسر حزب الله كل رصيده القديم الذي راكمه أثناء مواجهته للعدو الصهيوني، بل إن الحديث عن ذلك الرصيد بلغة المؤامرة أيضا لم يعد مستغربا في أوساط كثيرة بدأت تعتبره منسوخا من الأصل، تبعا لكونه جزءا من المشروع الإيراني، وليس نابعا من إرادة حقيقية للتصدي للمشروع الصهيوني.
لا يمنح الوعي الشعبي شيكا على بياض لأحد، حتى لو كان أروع الأبطال، فهو يمنح تزكيته لتاريخ وفعل معين، لكنه ينسخ ذلك ما إن يرتد المعنى على تراثه ويذهب في اتجاه آخر.
وفيما كان الحزب موضع احترام قطاعات عريضة من جماهير الأمة إبان مقارعته للعدو الصهيوني، فقد أصبح وزعيمه عدوين لدودين بعد انخراطهما في المعركة ضد الشعب السوري.
حتى شهور قليلة كان نصر الله يتقدم بخطاب ظاهره تصالحي في المسألة السورية، وإن لم يخف انحيازه إلى جانب النظام، لكن ما إن عاد نصر الله من إيران في زيارته التاريخية قبل أسابيع، ولقائه بالمرشد (الولي الفقيه)، حتى أعلن الحرب على الشعب السوري بكل وضوح وصراحة حين قال إن لسوريا أصدقاء حقيقيين، لن يسمحوا لها بالسقوط بيد أمريكا أو إسرائيل أو الجماعات التكفيرية”، موزعا غالبية الشعب السوري الثائرة بين العمالة لأمريكا والكيان الصهيوني ومن سمّاها الجماعات التكفيرية!!
كان ذلك بمثابة إعلان حرب صريحة، تبعته إجراءات عملية على الأرض، حيث بدأت التعبئة المذهبية في أسوأ تجلياتها بين عناصر الحزب الذين يجري إقناعهم؛ ليس بالمؤامرة الأمريكية الصهيونية، فتلك بضاعة لا تكفي لدفعهم نحو الموت في سوريا تبعا لعبثيتها، بل عبر إقناعهم بأن ما يجري في سوريا هو عدوان على أهل البيت ومساعٍ لشطب الشيعة وإعادتهم إلى عقود الاضطهاد، فضلا عن قصة الدفاع عن آل البيت ومقام السيدة زينب، وما شابه من تعبئة مذهبية صرفة.
والحق أن الحزب (حتى الآن على الأقل) لم يُجبر أحدا على الذهاب إلى سوريا، فهو يكتفي بالتعبئة المذهبية (ليت اليساريين والقوميين، ومعهم ميشال عون، يستمعون لمفردات تلك التعبئة حتى يدركوا أية معركة يؤيدون)، ثم يَطلب من عناصره التطوع، وهو يفعل ذلك خشية ردود الفعل الشعبية على تدفق نعوش القتلى من سوريا، مع أن أحدا لا يجرؤ إلى الآن (باستثناء قلة محدودة في الوسط الشيعي) على القول له إن ما يفعله هو عبث في عبث، لاسيما أن الطرف الآخر في المعادلة الشيعية (حركة أمل بقيادة بري) صار أسير التمويل الإيراني.
اليوم يلقي حزب الله، ومن ورائه إيران التي تقدم الخبراء والطيارين، وتدير المعركة في كل التراب السوري بثقله في قلب المعركة، الأمر الذي سيتعزز بمرور الوقت، فيما سيجد الثوار السوريون أنفسهم أمام مدد جديد يضاف إلى قوة النظام التي تداعت عمليا بسبب الانشقاقات، وبسبب الإنهاك الذي تعرض له الجيش خلال عامين، وهو ما دفع الأخير إلى تسليم المعركة بالكامل للمعسكر الإيراني يديرها كيفما يشاء.
نتيجة هذا التحول السافر لا ينحصر في خسارة الحزب للحاضنة العربية والإسلامية، وتحوله إلى عدو في وعيها الجمعي، باستثناء الفئات التي تحدثنا عنها في البداية، بل يضيف إلى ذلك تكريسا للانقسام الطائفي في لبنان وفي عموم المنطقة، ومن ثم نهوضه كعدو سافر في وعي قطاع عريض من اللبنانيين، الأمر الذي سيلقي بظلاله على التعايش في هذا البلد المنكوب بحروبه الأهلية المتوالية.
يدخلنا هذا إلى سؤال الموقف الذي ينبغي أن يتخذه سنة لبنان على وجه التحديد من سلوك الحزب العدواني تجاه الشعب السوري، فضلا عن سلوكه في الداخل بعد أن توقف عن المقاومة منذ العام 2006، وصار سلاحه مخصصا للداخل قبل أن يجري سحب جزء من مقاتليه من الجنوب نحو القصير والمناطق الأخرى في سوريا.
من الضروري أن يكون لسنّة لبنان مواقف أقوى من هذه الغطرسة التي يمارسها حزب الله ضد الشعب السوري. لا أحد يتحدث عن مواجهة عسكرية في ظل احتكار الحزب للسلاح والقوة العسكرية، بل ينحصر الحديث عن المواقف السياسية والنشاطات الشعبية التي تظهر غضبهم مما يجري.
لا بد أن ينزلوا إلى الشوارع، حتى لو قيل إن قدرة الحزب على الحشد تبدو أقوى، لأن الكل يعرف ذلك، إذ يكفي أن تتواصل المظاهرات، ولو في كل جمعة من أجل إدانة سلوك الحزب في سوريا.
أما الذي لا يقل أهمية فيتمثل في الموقف العربي الذي يجب أن يتجاوز الإدانة التي صدرت عن الجامعة العربية إلى ضغوط على لبنان من أجل أن يتخذ موقفا على هذا الصعيد، ولا قيمة هنا للقول إن عناصر من السنّة ينخرطون في القتال في سوريا، ليس فقط بسبب الفارق بين من يدافع عن طاغية، ومن يدافع عن شعب، بل لأن ذلك يحدث على صعيد فردي أيضا.
لقد تجاوز حزب الله الحدود، وكذلك حال إيران. ورغم أنهم خسروا وسيخسرون أكثر فأكثر، إلا أن السكوت على إجرامهم بحق الشعب السوري لم يعد مقبولا بحال، ويجب أن يحظى بالتنديد من قبل العالمين العربي والإسلامي، بعلمائه وقواه السياسية، وبقدر كبير من الضغوط من قبل دوله أيضا.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن