مهنا الحبيل.. في مآلات تشريع إبادة الإخوان
تجاوز القانون الذي أصدرته السلطات المصرية الموالية للفريق السيسي قانون حل جماعة الإخوان الذي أعلنته حكومة النقراشي 1948 بمراحل، فالقانون الجديد يُعلن الجماعة أفراداً ومؤسسة جماعة إرهابية ويُسقط تفاصيل المطاردة القانونية على كل فرد منها نساءً وأطفالاً ورجالاً، والأخطر من ذلك هو ما يُطلَق عليه محفزات تطبيق القانون وأجواء تنفيذه الذي غالباً ما تقترن بحالة توتر انشطاري، لا يُراجِع على الإطلاق نصوص هذا القانون أو ضوابطه إن كان له ضوابط أصلاً.
هذه المحفزّات الشرسة تتركز في التصريحات والنشاطات السياسية لحلفاء 30 يونيو وتأكيدهم الضمني أو الشامل للقانون والتي تُستخدم إعلاميا ضمن الحملة العنيفة والمتطرفة لعشرات القنوات والصحف والوسائط الإعلامية المحرضة على العنصر البشري المصري المخالف لهم، سواءً كان عضواً تنظيمياً بالإخوان أو عضواً سياسيا أو شريكاً في مشروعٍ وطني معهم ولا يزال في صفوفه أو ظن خصومهم أنه لا يزال كذلك.
والمقصود هنا أن اللغة الإعلامية السائدة في الصحافة والاعلام المرئي المصري الحكومي أو الحليف المدعوم من رأس المال القوي لنظام الرئيس مبارك ومحور خليجي مساند له والكنيسة القبطية، هذه اللغة تحوّل تطبيقات القانون إلى تشريع للقتل وإبادة هذا العنصر البشري المصري ابتداءً وقبل أي مذكرة قبض أو متابعة قانونية.
وعليه فإن التطبيق التنفيذي وسط هذا الزخم المتطرف والعنيف لا يُنتظر منه أي مراجعة سياسية، حتى لو صدرت بأصوات خافتة من حكومة الببلاوي المُشرّعة الأصلية لحرب الإبادة.
والمقصود أن الحملة السياسية والإعلامية العنيفة أخذت مطلق الإعلان من حكومة الببلاوي الذي صدر في ساعات ودون أي أدلة على مسؤولية الإخوان عن أي عمل عنف مسلح، ودشنت التشريع، لتبدأ بعدها عملية تسويق فكرة القتل والتصفية للإنسان المصري الذي يُنمى لجماعة الإخوان او أيٍ من الجمعيات الخيرية أو الاجتماعية، المساندة او المتحالفة، ولم تنتظر هذه العملية أي مذكرات تفسيرية أو تفصيلات لتراتبية قانونية لهذا الإعلان.
والمراقب لجدولة شيطنة الإخوان أو الاسلاميين الرافضين للانقلاب يُدرك أن تصعيد مفهوم المطاردة والشيطنة وصولاً الى تشريع الإبادة الجماعية أو الفردية، بدأ منذ أول الحركة الانقلابية للفريق السيسي، وركّزه في أدبيات الانقلاب التي كانت تردد :
"انتو شعب وحنا شعب..ليكو رب ولينا رب".
فهذا التكفير الديني والمدني معاً المعزز بفتاوى مشيخات دينية وتيارات سياسية موالية للانقلاب كان قاعدة التأسيس للوصول الى هذه المرحلة الخطيرة من الحياة الاجتماعية والسياسية للشعب المصري.
إن فكرة تأسيس ثقافة الإبادة الجماعية التي ضربت رواندا وروديسيا ودول افريقية أخرى، لم يكن للمراقب أن يتصور أن هناك مخطط لدفع مصر لها، تحت قيادة نخبة ثقافية لبرالية ويسارية وناصرية شاركت نظام الرئيس مبارك تدشين هذا المفهوم مع الفريق السيسي وهي لا تزال تهتف تحت الشعارات الديمقراطية والمدنية.
ولذلك فإن السياق يُفهم هنا محلياً مصريا باتجاه: أن حركة الصعود الثوري رغم أنها لاتزال تختّط بناء استراتيجي جديد للعودة الى الربيع المصري باستراتيجية مدنية سلمية متوسطة المدى، كانت تُخيف الفريق السيسي من قوة تأسيسها المدني وتعدد شرائحه.
وأن إعادة صناعة الحركة الإسلامية في مصر بعد كوارث منهج التفكير في مكتب الإرشاد والحزبية الضيقة ليس في صالح معسكر الفريق السيسي، وعليه فإن تصعيد الأجواء للدفع بمصر نحو مقدمات حربٍ أهلية كان خيار المؤسسة الفكرية للانقلاب، وهو أمرٌ غريب من حيث اعتبار السيسي وفريقه الدفع بمصر للحرب الاهلية كإنقاذ لهم ,وما يعنيه ضمنياً من مستوى التورط الذي وصل له الانقلاب.
أما في البعد الإقليمي والعربي فحركة إبادة لتيار من الشعب المصري تاريخي وصلب في حضوره الاجتماعي وتجاوز تحديات تاريخية، يعني أن مشروع تل أبيب المدعوم عربيا، يركّز اليوم على فكرة إعادة مصر للمستوى الصفري كدولة وقاعدة أمة وكشعب كان يتقدم اجتماعيا، لمنع أي اجواء مستقبلية قادرة على صناعة ثورة مكتملة الأركان، يكون فيها خصوم اسرائيل التاريخيين عمود الجمهورية المستقلة الجديدة في مصر.
إن التحوّل لهذه المرحلة يعني وضع مصر على بوابة جحيم، ولا يُمكن للمؤسسة العسكرية الخاصة التي تحدثنا عنها سابقاً كتنظيم داخل القوات المسلحة يقودها السيسي في مقالنا - احاديث السيسي السرية ما هو الاهم - هذه المؤسسة اليوم تدفع لمستوى يتجاوز الجزأرة - حرب الجزائر الأمنية بعد الغاء الانتخابات - وتُهيء الى مشروع أكثر دموية في ظل اعلان تشريع الإبادة لكل من يُنسب للإخوان أو يُشاركهم، ثم العودة الى المستوى الصفري الذي تراهن عليه تل أبيب والنظام الخاص الحاكم.. ويَدعم خلاصته النهائية النظام الدولي بقيادة الغرب حتى لو أظهرت واشنطن وشركاؤها الأطلسيون تململاً من أسلوب ومستوى هذا التصعيد، خشيةً من انفراط العقد من يد السيسي ومواجهة معارضة مسلحة أكبر من تصوره تُفجّر مصر وتؤثر على توافقات الغرب الأخيرة مع ايران وموسكو لتثبيت قواعد اللعبة الجديدة.
ويخشى الغرب كذلك من تحول ردة الفعل المدنية على تشريع حرب الإبادة الجماعية لاستنفار شعبي ثوري مدني يعيد الحرية* المغتالة في مصر للحكم لكن ببعدٍ إسلامي صارم وطنياً ومع قضية فلسطين، وبالتالي يُحاول الغرب المستمر بالتواصل مع الفريق السيسي بجسور دافئة لا علاقة لها بالتصعيد، أن يُقنعه باللجوء الى احتواء سياسي أذكى من جهنم الحرب الأهلية.
إن تصاعد الأزمة في مصر يمر بمراحل خطيرة ويُدفع ليقفز خطوات إلى المجهول، ورغم صعوبة بل واستحالة ضبط شعب كامل يشرّع لقتله وانتهاك اعراض نسائه وسحل فتياته في الشوارع، لأنه شعب آخر حسب ثقافة الانقلاب، إلا أن قدرة الإخوان التاريخية على الممانعة أمام هذا الدفع الشرس غير المسبوق للحرب الاهلية ربما كان المخرج الوحيد لهذه الفتنة.
فطبيعة الانضباط الإخواني الذي لن يستطيع أن يوقف كل ردٍ عنيف على حرب الإبادة وهذا طبيعي، لكنه يتميّز بالحفاظ على المجموع العام للكتلة الثورية والدعوية بأن لا تنزلق في أتون حرب السيسي الأهلية، ومن ثم ستنفرج الأمور حين تعبر مصر من هذا المنزلق الذي لن يصمد طويلاً لو فوّت عليهم مشروع الحرب الاهلية.
ومن هنا تعود الحركة المدنية التي اثبتت قوة تحديها للمشروع بعد ساعات من تشريع الإبادة، الى توسيع مشروعها الثوري المدني والتقدم به نحو حركة نضال استراتيجية جديدة تُعيد ثورة يناير الى الشعب المصري.
إن الأصوات التي تنادي بحمل السلاح، تأخذها لحظة العاطفة المشتعلة أمام القهر العسكري الإنقلابي ولا تُدرك العواقب الاستراتيجية، وإن وعي التجربة الثورية السورية التي تعاني اليوم من تآمر عالمي غير مسبوق واختراق لميدانها من جماعات تُصارع الثورة قبل النظام يُعزز قرار الإخوان الأخير برفض استفزازات السيسي والمحور الخليجي الإسرائيلي، والبقاء في دائرة الشعب المدني حتى تسترد مصر ربيعها العربي.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن