أوقفوا هذه الدياثة
هذه كلمة ستُغضب كثيراً من الناس، ولكنْ ما عليّ لو أغضبتهم وأرضيت فيهم رب الناس؟ إنما هي كلمة حق ليس لي فيها مصلحة شخصية، فإن نالني بسببها أذى احتسبته عند الله، وإن نفعَ الله بها فأرجو أن أجد جزائي عليها في صحيفتي يوم الحساب.
ما هذه العادة القبيحة التي انتشرت في أعراسنا؟ لا أقصد أعراس النصارى والنصيرية والدروز ولا أعراس العلمانيين والمتفرنجين، بل أقصد أعراس قوم كنت أظنهم من المسلمين الملتزمين الطائعين الواقفين عند حدود الله، فلمّا خاضوا الامتحان في العرس سقطوا في الامتحان.
وما أكثرَ ما يسقط الناس في امتحانَي الفرح والترح، وما أكثرَ ما يفقدون عقولهم ويضحّون بدينهم وآخرتهم في المآتم والأعراس! فهلاّ تذكرتم الآخرةَ وأنتم تودّعون ميّتكم الراحل من دار الفناء إلى دار البقاء؟ وهلاّ تذكرتم ربكم وأنتم تفتتحون حياةً جديدة المرءُ أحوجُ ما يكون فيها إلى توفيق الله؟
خذوا من العرسان المهورَ العظيمة إن شئتم واكسروا بها ظهورهم، فإنما هي ظهورُ بناتكم تكسرونها لأن الزوجين سيعيشان معاً حياة واحدة من بعدُ فيشتركان في سَرّائها ويشتركان في ضَرّائها. أسرفوا وأتلفوا من الأموال في حفلة طولُها ثلاثُ ساعات ما تعيش به مئة أسرة من الأسر المُعدَمة العددَ من الشهور... قد نقبل ذلك كله منكم (ولسنا بقابليه) ونَكِلُ حسابَكم عليه إلى الله، أمّا أن تُدخلوا الرجال على نسائنا اللائي دعوتموهنّ فأجبنَ الدعوة لأن إجابة الدعوة سُنّة، فأوقعتموهنّ في الحرام السافر حين أدخلتم عليهنّ الرجال، فهذا منكر لا يرضاه مسلم ولا يرضاه حُرٌّ شريف.
لقد بدأت هذه العادة على استحياء فسكت عنها الناس، فانتشرت حتى عمّ بلاؤها ووصل إلى كثيرين من أهل الدين. ودخولُ الرجال على النساء مما ينكره شرع الله وتأباه مروءة الرجال وسلائق العرب، فمَن دخل على النساء في حفلهنّ وهُنّ في زينتهنّ فقد خالف الدين والمروءة والشرف وارتكب عملاً من أعمال الدِّياثة التي لا تُجبَر ولا تُغفَر.
لم يكن هذا في زماننا ولا كنا نتخيل أن يكون، ثم جاء يوم دخل فيه العريس على النساء لتفرح به عروسه، وسكتنا ولم ننكر فلم يلبث أن دخل معه أبوه، وسكتنا ولم ننكر فدخل معه إخوته، ثم دخل معهم أبو العروس وإخوتها، وربما دخل الأعمام والأخوال. وسكتنا فلم يكتفِ العريس بالدخول على النساء حتى راح يراقص عَروسه في حضرتهنّ ويعانقها ويقبّلها، ولم يبقَ إلا أن يأتوا بسرير فيعرضوه أمام الناس فيكمل العروسان عليه طقوس الزواج!
إذا سكتّ أنا وسكتّم أنتم فمتى تقف هذه المهزلة؟ وإذا سكتنا جميعاً واستمرت فلا أستبعد أن يأخذنا الله بعذاب عميم، فإن الأمم إنما تُعذَّب حينما يَجهر العصاةُ فيها بالمعاصي فلا يجدون مَن يردعهم ويقفهم عند حدود الحرام. في حديث عبد الله بن مسعود أن أول ما دخل على بني إسرائيل من النقص أن الرجل كان يلقى الرجل فيقول: يا هذا اتّقِ الله ودع ما تصنع فإنه لا يَحِلّ لك، ثم يلقاه من الغد وهو على حاله فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشَريبه وقَعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض. ثم قرأ: {لُعِن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم، ذلك بما عَصَوا وكانوا يعتدون. كانوا لا يتناهَونَ عن منكر فعلوه، لبئس ما كانوا يفعلون}.
ربَّنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، ورحم الله من أنكر ولم يسكت. اللهمّ إني قد بلّغت.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة